رضا محاسني لTHE PRESS: الصحة النفسية في المغرب تُعامل كعبء لا كأولوية

 أعادت الجريمة المروعة التي شهدتها مدينة ابن أحمد, والتي ارتكبها شخص يعاني من اضطراب نفسي, ملف الصحة النفسية والعقلية إلى واجهة النقاش العمومي بالمغرب، باعتباره قضية ملحة تستدعي إصلاحا عاجلا. وفي هذا السياق، أعلنت وزارة الصحة والحماية الإجتماعية امس الثلاثاء 29 ابريل 2025 عن إعداد برنامج وطني للصحة النفسية يهدف إلى تعزيز التكفل العلاجي وتوسيع العرض المتخصص.

 وبين انتظارات الشارع وتحركات الوزارة، يظل صوت المختصين محوريا لفهم عمق الإشكالات المطروحة, حيث صرح رضا محاسني, اخصائي نفسي لموقع THE PRESS, انه يجب على الدولة تخصيص مؤسسات او جهات تتبع علاج الفئة التي تعاني من اضطرابات نفسية ، مضيفا أنه من تقديره الخاص “إذا كانت هناك سياسة و مقاربة جديدة  فليس للوزير الوقت الكافي لتنزيلها فيما تبقى له من أيام وأشهر معدودة في وزارته”، وسنجد أنفسنا أمام مقاربات وأولويات أخرى لم تجد الصحة النفسية أبدا نفسها فيها. مشددا ان “وزارة الصحة قدمت استقالتها من الصحة النفسية تماما، وترمي بالمسؤولية على مؤسستين مضبوطتين: وزارة الداخلية والمسؤولية العائلية” .

وبالتالي المرض النفسي هو مسؤولية العائلة بدرجة أولى وبدرجة أخيرة، يعني أن العائلة هي من تتكلف بتلقي الإشارات باعتبارها وبتجاهلها، وهي من تتكلف بالتطبيب من مالها الخاص، وهي التي تتكلف بحماية نفسها وحماية المريض. ومسار التيه الطبي الذي تعيشه العائلة كبير، حيث تشعر بنفسها معزولة وهشة وبدون سند في مواجهة المرض النفسي، الذي تصل معاناته إلى معاناة جهنمية بالنسبة للعائلة على حد قول المختص.

وأضاف محاسني ان وزارة الداخلية تتعامل مع المرضى النفسيين والمتشردين في الأزقة ب”مقاربة أمنية إجلائية”، حيث تبقى إلى يومنا هذا الممارسة المقيتة لمسؤولي السلطة المحلية الذين يجمعون المرضى النفسيين ويأخذونهم إلى مدن أخرى عندما تكون زيارة ملكية أو مسؤولين أو ضيوف ذوي وزن يزورون الدار البيضاء مثلا , وهي ممارسة تكون في أغلب المدن الكبرى التي تحتضن عادة زيارات رسمية, كما تعمل الجهات على اخفاء هؤلاء المرضى على أنظارنا.

والأهم من ذلك، على ضوء الجريمة التي وقعت في مدينة بن حمد، شدد محاسني على ان الضحايا الأولى من المرضى النفسيين هم المرضى أنفسهم, فهم يشكلون خطرا على أنفسهم وعلى الغير، وهم المستهدفون بالعنف في غياب التطبيب وعنف الوصم في المجتمع، وعنف التهميش والإقصاء والعنف المادي، ففي العديد من الأحيان هناك مرضى فقدنا لهم الأثر، واكتشفت جثثهم هامدة في أماكن معزولة, لأن المريض النفسي حتى ولو قام بالعنف فهو عنف دفاعي، فهو يتخيل عنفا يتوجه إليه فقط، ولا توجد نية أذى, وهذا مايعرف بالعلة النفسية.

وحسب قول الأخصائي فهو لا ينتظر أي شيء من التصريحات، لأنه في الميدان منذ 2005 إلى يومنا هذا، ولم يرى اي سياسة حقيقية حيث توالت الحملات الإعلانية أو الحملات الإشهارية و توالت الفقاعات الإعلامية دون جدوى. الأثر الوحيد الموجود حسب تقديره الخاص، هو أثر على مستوى القطاع الخاص حيث توجد بعض العيادات الخاصة المختصة في الطب النفسي المشكورة على الأقل، رغم التكلفة التي قد تصل إلى 4000 درهم يوميا، والاستشفاء يتطلب 40 يوما وبالتالي نحن نتكلم على ثمن شقة لعائلة تحاول حماية فردها من الأفكار الانتحارية وتوفر له بداية علاج مستدام. كما أن هناك مجهود المدارس العليا التي فتحت اختصاص علم النفس والجامعات الخاصة التي تخرج أجيالا من المختصين وهو أمر إيجابي. لكن فيما يخص سياسة الدولة حاول المختصون في عدة محطات تسليط الضوء على الميزانية المخصصة للصحة النفسية والتي لا تفوق 2 في مائة، في حين أن المطالب اليوم تصل إلى أكثر من 8 في مائة.

و اضاف الاخصائي النفسي انه  على مستوى البنية التحتية لا نتوفر على عدد الأسرة الكافي، وعدد الأخصائيين النفسيين مخجل في القطاع العام, كما ان الأغلبية الساحقة منهم في العيادات الخاصة، لأنه لم تفتح مناصب مالية لهم. مشيرا الى ان الطب النفسي أيضا هو اختصاص لا يعرف رواجا كبيرا، يمكن بسبب الوصم أو لأن الطلبة لا يريدون التخصص فيه لأنه يمارس في ظروف صعبة. اضافة الى العدد الفقير لممرضي الطب النفسي ، داعيا الى العمل على مقاربة نظامية عائلية ومقاربة طبية اجتماعية ونفسية في آن واحد، و الاقتداء بتجارب ناجحة لدول مجاورة يمكن الاستفادة منها.

وفي ختام تصريحه أكد رضا محاسني ان بعض المبادرات تأتي في ظل تهميش لكل ما هو صحة نفسية، سواء من حيث تفاعل المسؤولين أو الصعوبات التي نجدها بخصوص تراخيص معينة. مشيرا الى ان المتخصصين النفسيين يجدون انفسهم يواجهون مجتمعا يعاني من اضطرابات نفسية أو عانى منها بدرجة 48.5 في المائة . فنحن أمام أرقام كبيرة والعرض العلاجي النفسي أو الطبي فقير مقارنة مع متطلبات المجتمع.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

المنشور السابق

وزارة الصحة تتصدى لظاهرة مطالبة المرضى بشيكات الضمان داخل المستشفيات الخاصة

المنشور التالي

من الرباط.. برلمانات المغرب وقطر والبحرين توحّد الرؤى لتعزيز التعاون جنوب-جنوب

المقالات ذات الصلة