لا يكاد يهدأ غبار الصراع بين الحكومات المغربية المتعاقبة ومؤسسات الحكامة الدستورية، حتى يعود ليثار مجددًا، مشكّلًا علامة استفهام كبيرة حول مدى استيعاب الطبقة السياسية لفلسفة دستور 2011، لا سيما في شقه المتعلق بفصل السلط واستقلالية الهيئات. فكلما صدر تقرير من إحدى هذه المؤسسات، حتى لو كان مجرد توصيف للواقع، إلا واستُقبل بنوع من التشنج من طرف الحكومة، ما يفتح النقاش مجددًا حول جدية الإرادة السياسية في احترام التخصصات وتنزيل الدستور بروح ديمقراطية.
وفي هذا الإطار، برزت إلى السطح توترات ظاهرة بين الجهاز التنفيذي والمندوب السامي السابق للتخطيط ، أحمد الحليمي، الذي لم يسلم من دعوات الإعفاء فقط لأنه جهر بأرقام اعتبرتها الحكومة “محرجة”. نفس التوتر تكرر لاحقًا مع تقارير صادرة عن مؤسسات مثل المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي، أو الهيئة الوطنية للنزاهة ومحاربة الرشوة، حيث تحوّلت أرقامها إلى مادة مشتعلة تُقابل بالنفي أو التشكيك، عوض أن تكون مدخلًا للتقويم والتصحيح.
ورغم أن الباب الثاني عشر من الدستور يمنح لهذه المؤسسات مكانة خاصة، ويحصّنها من الاصطفافات الحزبية والصراعات السياسوية، إلا أن الحكومات لا تتوانى عن الردّ بعنف سياسي على كل تقرير يحمل نقدًا أو تقييمًا لأثر السياسات العمومية. فبدل الحوار المؤسساتي، نسمع تصريحات تشكيكية، كما وقع مثلًا مع تقرير المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي في شهر ماي 2024، في عهد رئيسه السابق أحمد رضا الشامي، حول الشباب غير المتمدرس وغير المشتغل (NEET)، والذي رد عليه حينها رئيس الحكومة بنوع من الاستهجان، متجاهلًا عمق الإشكال الاجتماعي الذي أثاره التقرير.
وفي هذا السياق، يصبح من الواجب إعادة النظر في طريقة تفاعل السلطة التنفيذية مع تقارير مؤسسات الحكامة. فلا يكفي أن تصدر هذه المؤسسات تقارير دقيقة ومبنية على معطيات ميدانية، بل يجب أن تتم مواكبتها بمسارات فعلية للنقاش والتفاعل. من هنا، فإن تنظيم أيام دراسية ولقاءات موسعة تجمع بين أعضاء الحكومة وخبراء مختصين وممثلي هذه المؤسسات يمكن أن يشكل أرضية بناءة لتمحيص مضامين التقارير، وتحويل خلاصاتها إلى أدوات لاتخاذ القرار العمومي، بدل أن تبقى حبيسة الرفوف أو محل جدل سياسوي عقيم. لأن فتح هذا الحوار المؤسساتي الجاد هو ما سيجعل من الحكامة رافعة حقيقية للإصلاح، وليس مجرد ديكور دستوري يُتذكر عند الحاجة.
ومما لا شك فيه أن الحكومة تملك الحق في الدفاع عن برامجها، لكن هذا لا ينبغي أن يكون مدخلًا لضرب استقلالية مؤسسات الحكامة أو إفراغ تقاريرها من مضمونها، ما دام القانون يؤطر صلاحيات كل طرف. بل إن تدبير هذا الاختلاف في المعطيات يجب أن يتحول إلى فضاء للنقاش والتكامل، لا إلى ساحة للخصومة المؤسساتية. فالحكامة الجيدة، كما أرادها الدستور، ليست خصمًا للسلطة التنفيذية، بل شريكًا في تقويمها وتجويد أدائها.
ونفس الشيء نجده بين السلطة المحلية والؤسسات المنتخبة حيث ان السلطات المحلية تريد ان تتحكم في كل شيء تابع لترابعا بما فيها المنتخبين وعندما تجد منتخبا لايريد. التنازل عن الاختصاصات التي خولها له القانون تعرقل جميع برامج التنمية التي تريد المؤسسة المنتخبة القيام بها، وبالتالي تكون المدن او تراب الجماعات هي الضحية في كل هذا ،