حين ترتجل الجزائر فصلا جديدا من مسرحياتها القديمة..

يبدو أن الجزائر لا تملّ من إعادة نفس المسرحية، فقط تغيّر أسماء الأبطال والديكور، بينما يبقى النص رديئاً والإخراج أسوأ. فبعد سنوات من اختلاق الأزمات مع المغرب ومحاولة تصدير مشاكلها الداخلية نحو الخارج، ها هي تعود لنفس الأسلوب، وهذه المرة مع الأشقاء في دولة مالي، التي لم تسلم هي الأخرى من “سيناريوهات قصر المرادية”.

حادثة إسقاط الطائرة المسيّرة المالية داخل أراضيها، في منطقة تنزواتين، تم تضخيمها من طرف الجزائر إلى حد اتهام مالي بانتهاك مجالها الجوي، في تكرار مكشوف لأساليب باتت مفضوحة لدى الرأي العام المغاربي والدولي. وبينما قدّمت باماكو معطيات دقيقة حول مكان سقوط الطائرة ومسارها الكامل، التزمت الجزائر لغة التهديد والغموض، ورفضت تقديم أي دليل يدعم روايتها، مكتفية بالهجوم الإعلامي والدبلوماسي.

إن ما حدث ليس مجرد سوء تفاهم تقني، بل هو تعبير صريح عن نية جزائرية مسبقة في افتعال صدام جديد مع دولة مجاورة، تماماً كما تفعل منذ عقود مع المغرب عبر دعمها المستمر لجماعات انفصالية وتحريك ملفات لا تخدم سوى مصالح داخلية ضيقة للنظام الحاكم. الفرق الوحيد أن هذه المرة، المستهدفة هي دولة مالي، التي تخوض حرباً مفتوحة ضد الإرهاب وتحتاج للدعم لا للطعن في الظهر.

لقد ابتُليت مالي، كما ابتلينا والعياذ بالله، بجار يتقن صناعة الأزمات، ويفتقر لكل إرادة صادقة في بناء تعاون حقيقي يخدم شعوب المنطقة. فمن العبث تصديق أن طائرة تستهدف مجموعة إرهابية داخل التراب المالي تقرر فجأة “انتهاك” المجال الجزائري لتعود أدراجها، وتسقط عمودياً على بعد 9 كلم من الحدود. منطق لا يقنع حتى الهواة، فكيف بسياسيين ودبلوماسيين؟

في النهاية، إن ما يحزن في هذه القصة ليس فقط الكيد السياسي الذي تمارسه الجزائر، بل الخطر الذي يشكله هذا السلوك على الأمن الجماعي في منطقة الساحل. وبدل أن تكون الجزائر سنداً لجارتها مالي في مكافحة الإرهاب، اختارت أن تكون عقبة جديدة في وجه الاستقرار. لكن الحقيقة، كما التاريخ، لا يمكن تزويرها مهما كان سيناريو الإخراج.. حتى وإن كُتب في أروقة قصر المرادية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

المنشور السابق

استهداف الكلمة الحرة: الاحتلال يقصف خيمة الصحفيين في غزة والهيئة الدولية تُدين الجريمة

المنشور التالي

مانشستر سيتي يصدم برشلونة بعرض خيالي لضم لامين يامال

المقالات ذات الصلة