مع اقتراب عيد الفطر، تتأهب الأسر المغربية للاحتفال بأجواء من الفرح والاحتفاء بالتقاليد المتجذرة في ثقافتهم. ومن بين هذه العادات الأصيلة، تبرز عادة “حق الملح” التي تعتبر إحدى التقاليد الرمزية التي تحمل في طياتها تقديرًا عميقًا للمرأة المغربية. إذ يقوم الزوج بتقديم هدية لزوجته في الأيام الأخيرة من رمضان أو في صباح العيد كعربون شكر وامتنان على دورها الكبير في إعداد وجبات الإفطار والسحور وتحمل مشقة رمضان. ورغم اختلاف نوع الهدية من أسرة إلى أخرى، يبقى المغزى واحدًا: التقدير والاعتراف بالعطاء المستمر.
أصل تسمية “حق الملح”
تعود تسمية “حق الملح” إلى رمز العشرة الطيبة بين الزوجين، حيث يُقال إن الزوجة كانت تتذوق الطعام أثناء صيامها لتتأكد من التوازن المثالي للملح، دون ابتلاعه. هذا التصرف يُظهر مدى الحرص والاهتمام الذي تبذله الزوجة لضمان راحة أسرتها. ومن جهة أخرى، يربط البعض التسمية بالملح كرمز للوفاء والصدق في الثقافة المغربية القديمة، حيث كان الملح يُعتبر عنصرًا أساسيًا في الطعام وفي الحفاظ على الروابط الإنسانية، مما يعزز معنى “حق الملح” كعربون وفاء وتقدير للمرأة.
كيف يتم تقديم “حق الملح”؟
في صباح عيد الفطر، ترتدي الزوجة أجمل ملابسها وتستعد لاستقبال العيد بعد أن تقوم بتنظيف المنزل وتبخيره، ثم تقدم لزوجها فنجانًا من القهوة مع حلويات العيد، ولكن لا يُعاد الفنجان فارغًا، إذ يضع فيه الزوج هديته تعبيرًا عن شكره وامتنانه. قد تكون هذه الهدية قطعة ذهبية، مبلغًا ماليًا، أو حتى عمرة، بينما يفضل البعض تقديم ملابس أو عطور. وبغض النظر عن نوع الهدية، تبقى هذه البادرة بمثابة عربون محبة وتقدير، وتعكس الروابط العاطفية القوية بين الزوجين.
“حق الملح” في المغرب العربي
على الرغم من أن “حق الملح” عادة مغربية أصيلة، إلا أن هذه العادة تمتد إلى عدة دول في شمال إفريقيا مثل الجزائر، تونس، وليبيا، حيث تعرف في بعض المناطق بـ”حق الطعام” أو “التكبيرة”. ورغم اختلاف التسميات، إن مضمونها يظل نفسه.
“حق الملح” والعيدية: تقاليد متوازية
في الوقت الذي تُكرّم فيه الزوجة بـ”حق الملح”، تُعطى “العيدية” للأطفال في صباح العيد، وهي تقليد آخر يعبر عن الفرح والمشاركة داخل الأسرة حيث يقدم الآباء والأجداد “العيدية” للأطفال عادةً على شكل مبلغ مالي بسيط لإدخال السرور على قلوبهم. وبهذا، يتجسد في “حق الملح” و العيدية مفهوم العطاء والاعتراف، حيث يُعزز كل منهما الروابط الأسرية ويجعل من العيد فرصة لتجديد المحبة والوفاء بين أفراد الأسرة، مما يجعل الأعياد أكثر من مجرد احتفال، بل مناسبة لإعادة التأكيد على القيم الإنسانية والاجتماعية في المجتمع.