بقلم عمر المرابط: كاتب وباحث في الحركات الإسلامية
انطلق صباح اليوم 26 أبريل الجاري المؤتمر التاسع لحزب العدالة والتنمية المغربي الذي سيعرف انتخاب قيادة الحزب التي ستدير شؤون الحزب لمدة الأربع سنوات المقبلة، والتي ستتخللها استحقاقات انتخابية حيث سيعرف المغرب تنظيم انتخابات تشريعية سنة 2026 تتبعها الانتخابات الجماعية السنة التي تليها، ومن هنا فإن حزب العدالة والتنمية التي ترأس الحكومة لمدة عشر سنوات تقريبا واحتل الصدارة مرتين قبل أن يحتل المركز الثامن والأخير من بين الأحزاب المغربية الكبرى المعروفة بثلاثة عشر مقعدا فقط من أصل 395 متقدما فقط على أربع أحزاب صغيرة حصلت مجموعة على عشر مقاعد فقط في أكبر هزيمة للحزب في تاريخه إذ أنه لم يحصل على نتيجة أسوا إلا في أول مشاركة له في عهد الملك الراحل الحسن الثاني علما بأنه لم يشارك آنذاك في كل الدوائر الانتخابية، هذه النتيجة أرغمت الأمانة العامة السابقة برئاسة سعد الدين العثماني -الذي قاد الحزب والحكومة بعد إعفاء الملك محمد السادس لابن كيران أوائل سنة 2017 بعد فشله في تكوين ائتلاف حكومي فيما سمي بمرحلة “البلوكاج” أو الانسداد السياسي- إلى الاستقالة .
يأتي المؤتمر التاسع بعد عودة عبد الإله ابن كيران إلى قيادته مرة أخرى- وهو الذي بقي نائيا بنفسه عن المشاركة في مؤسسات الحزب مكتفيا بالانتقاد من بعيد إبان قيادة العثماني- لتجديد دمائه وإحياء ما تبقى منه لعله وعسى يسترجع جزءا من أمجاده ، فالنتائج الانتخابية التي حصل عليها الحزب سنتي 2011 ب107 مقعد ومليون وواحد وثامنين ألف صوت و2016 ب125 مقعد لكن بأكثر من نصف مليون صوت إضافي ، دفعت أغلبية أعضاء الحزب لاختيار ابن كيران مرة ثالثة بنسبة تجاوزت أربعة أخماس الأصوات، آملين أن يُرجع للحزب وهجه وبريقه، ولحمته وتآلفه، وعزته وكرامته التي مرغت في التراب في آخر الانتخابات دون أن يقدر الحزب على الاحتجاج علنا ضد سلطة وزارة الداخلية واكتفى بالقول إن نتائجه غير مفهومة، لكنها في الحقيقة كانت نتائج مفهومة وشبه منتظرة بل ومدروسة ومخطط لها.
لن نرجع إلى تحليل الأسباب التي عجلت بهزيمة حزب العدالة والتنمية في الانتخابات التشريعية التي عرفها المغرب في شتنبر 2021 ، ولكننا يمكن أنها كانت ثلاثية الأبعاد، ذاتية تعود بالأساس إلى الخلاف والشقاق الذي وقع داخل الحزب وانقسامه مع تراجع منسوب الثقة مما أدى إلى انخفاض حاد في الحوافز وارتفاع كبير في نسبة الفتور بين المناضلين ؛موضوعية، بالنظر إلى مدة حكمه التي امتدت إلى عقد من الزمان والنتائج المحصل عليها خاصة وأن الإصلاحات الهيكلية التي قام بها الحزبأصابت قاعدته الانتخابية في الصميم، ووجهت ضربة مباشرة إلى كتلة ناخبيه من الطبقة المتوسطة ، مما أدى إلى عزوفها عن المشاركة في الانتخابات؛ ثم أسباب خارجية تمثلت في المحيط العربي الذي عرف نجاح الثورات المضادة دون أن ننسى تغيير القانون الانتخابي وما رافقه من مخططات لإضعاف الحزب والحد من سيطرته أتت أكلها بطريقة فاتت حتى توقعات من خططوا لها.
الآن مع تصاعد حالة السخط والغضب في ظل تجربة حكومية جعلت الكثيرين يتأسفون على المرحلة السابقة ويتمنون رجوعها بالرغم من نقائصها، وبالنظر لغياب بروز أحزاب جديدة تقدم بديلا معقولا للأحزاب الكبرى المتواجدة كلها في الساحة وجميعها مر من دهاليزالسلطة وشارك في حكومات سابقة، لم يبق للناخب المغربي إلا الاغتراف من صحون ما تبقى وترهل من أحزاب المشهد السياسي المغربي، وبالنظر إلى التموضع الخاص لحزب العدالة والتنمية كحزب ذي مرجعية إسلامية مر من تجربة حكومية تسمح للمتابع ألان وليس سلفا القيام بمقارنة حقيقية عملية وعلمية بينه وبين الأحزاب الأخرى، ثم لا ريب أن الاعتقالات والمتابعات القضائية الجارية في قضايا فساد مالي وإداري التي مست عشرات المنتخبين الذين يتابعون باختلاس الأموال العامة والرشوة ، أغلبهم ينتمون إلى أحزاب الائتلاف الحكومي ، وآخرون لبعض أحزاب المعارضة ليس من بينها الحزب الإسلامي، يعطي لهذا الأخير مصداقية وحججا عند الحديث عن نزاهة منتخبيه ومناضليه.
بيد أن السياسة مبنية على قضاء مصالح العباد، ورهينة بالحصول على نتائج تسهم في تنمية شاملة وتحسن منوضعية المواطنين الهشة ، الذين قد يفضلون السارق والمرتشي الناجح إذا قضى حوائجهم على النزيه الفاشل الذي لا يفيد ولا يستفيد.
وقد كنت أعجب عندما كنت منتميا لهذا الحزب- قبل أن أغادره لأسباب عدة-، من فخر العديد من منتخبيه بتحقيقهم لفائض في ميزانيتاهم، وكنت عندئذ أعيش تجربة أخرى كنائب عمدة جنوب باريس وكنا نعيش على الديون بالرغم من غنى المدينة وغنى منطقة باريس في فرنسا، إذ أن كثرة المداخيل كانت لا تفي بحاجة كل المشاريع المطروحة ، فأقارن وأقول كيف لهؤلاء أن يحققوا فائضا ماليا في مدنهم وقراهم وهي لا زالت تزأر تحت وطء فقر البنية التحتية وانعدام بعض المرافق العمومية.
من هنا، وبالرغم من تحيين أطروحة الحزب السياسية ا والورقة المذهبية التي سيصادق عليهما المؤتمر فإن الحاجة ماسة أيضا إلى تحيين القيادة والانتقال من جيل التأسيس والقيادة التاريخية التي جاءت من رحم حركة التوحيد والإصلاح الإسلامية إلى جيل مجدد جديد منفتح على كل تيارات الشعب المغربي، والانتقال من حزب ذي مرجعية إسلامية وهي المرجعية التي تجمع كل المغاربة ، ومن المفترض أنها مرجعية كل الأحزاب بحكم الدستور المغربي، إلى حزب محافظ لا يتنكر لمرجعيته لكنه يترجمها عبر برامج وخطط تميزه عن غيره وإلا فما القيمة المضافة؟
إذ إن محاربة الفساد والمحسوبية وشراء الذمم وتضارب المصالح واستغلال النفوذ، وإن كانت أصيلة أصالة المرجعية فهي ليست حصرا عليها فقط، فهي من المشترك الأخلاقي الإنساني بغض النظر عن الانتماء الديني أو السياسي أو الثقافي، فهي إن تكن محرمة شرعا فهي ممنوعة قانونا عند كل الملل والنحل.
وينطبق الأمر ذاته حينما نتحدث عن النزاهة والشفافية والعدالة الاجتماعية، فهي مبادئ لا تتحقق بالشعارات فقط، بل تتجسد من خلال الممارسة الفعلية والإرادة السياسية الصادقة والقدرة على التنزيل والتطبيق، وهنا تكمن العوائق.
إن التجديد المطلوب يقتضي تغييرا في الرؤية وفي الرسالة اللتين يحملهما الحزب لا في القيم التي يومن بها ويعمل بمقتضاها وتعتبر بوصلته الأخلاقية ، وهذا التجديد لا مناص أنه يتطلب بالضرورة تجديدا في الرجال الذين سيشرفون عليه، لابد له من رجالاته .
هذا لا يعني قطيعة مع الماضي وإنما انتقال سلس مدروس قد يبدأ الآن مع هذا المؤتمر يجمع بين منطق الزعامة المرغوبة والمطلوبة وتحدي التجديد الضروري والمُلح ، لكن هذا يستلزم جرأة في القرار، وانفتاحًا علىكفاءات جديدة قادرة على حمل المشروع السياسي إلى أفقأوسع وأكثر تأثيرًا.