التشهير ليس صحافة، ولا يمكن اعتباره رأياً. إنه قتل معنوي في أبشع صوره، جريمة مقنعة بثوب الإعلام، تمارسها بعض المنابر، سامحها الله، بدم بارد وبلا ذرة من ضمير. وما يزيد القرف في حادثة تتعلق بفنانة مغربية تم تداولها يوم أمس هو أنني، مثل كثير من المغاربة، لم أكن أعرف تلك السيدة ولا سمعت باسمها من قبل، ولولا صفحات التشهير لما وصلت صورتها إلى بيوت الناس ولا صار اسمها على كل لسان. هم من صنعوا لها هوية في الفضاء العمومي عبر التشهير القذر، حولوا إنسانة عادية إلى مادة استهلاكية رخيصة، سلعة في سوق الفضائح.
أي وضاعة أن يتحول الإعلام إلى منصة جلد، يتقمص فيها الصحفي دور القاضي، والصفحة تتحول إلى محكمة إعدام علنية؟ أي عبث هذا الذي يجعل إنساناً يُصلب على أعمدة مواقع صفراء فقط ليشبعوا نهم جمهور يتلذذ بالفضيحة؟ هل يعي هؤلاء أن الكلمة والصورة قد تفتك بروح إنسان، وتترك فيه ندوباً لا يمحوها الزمن؟
من أنتم لتقذفوا الناس بحجارتكم؟ أملائكة أنتم بلا خطيئة؟ أم أنكم أوصياء على المجتمع لتقرروا من يُدان ومن يُغفر له؟ كل من يمارس التشهير إنما يفضح نفسه قبل أن يفضح غيره. يكشف خواءه، يعرّي ضعفه، ويعطي شهادة دامغة على سقوطه الأخلاقي.
إن ما نعيشه اليوم أخطر من جرائم الأفراد التي تعالجها المحاكم. نحن نعيش زمن جرائم إعلامية تفتك بالنسيج الاجتماعي، تزرع الحقد والشماتة، وتحوّل آلام البشر إلى فرجة، ومعاناة الناس إلى عروض سيرك. هذا ليس إعلاماً، هذا ابتزاز مقرف، تجارة في كرامة الإنسان، وانحدار إلى درك سحيق.
كفى عبثاً بكرامة المغاربة.. كفى صناعة محتوى قذر على حساب سمعة الناس.. كفى استرزاقاً بجراح الآخرين. وليعلم كل من يساهم في هذا المستنقع أن الزمن لا يرحم. اليوم تشهرون بالناس، وغداً ستجدون أنفسكم في مرمى نفس النار. وحينها ستدركون متأخرين أنكم لم تكونوا صحفيين، بل مجرد جلادين يرتدون قناع المهنة.