جدل قانوني: وهبي يهاجم عقلية الاتهام والرميد يحذّر من تراجعات تمس العدالة

خلال اجتماع لجنة العدل والتشريع بمجلس النواب، المنعقد أمس الإثنين 24 مارس، والمخصص لاستكمال مناقشة مشروع قانون المسطرة الجنائية، أكد وزير العدل عبد اللطيف وهبي أن النيابة العامة لا تزال تنطلق في نظرها إلى الجرائم من “عقلية اتهامية”، معتبراً أن هذا التوجه يشكّل تراجعاً عن مفهوم العدالة الشاملة. وأوضح أن حالة التلبس لا تعني بالضرورة وقوع الجريمة، مشيراً إلى أن ذلك لا يبرر تلقائياً وضع المشتبه فيه رهن الاعتقال الاحتياطي. واعتبر وهبي أن هذا الفهم يعد من أكبر الأخطاء المنتشرة في الفكر القانوني، داعياً إلى الحذر في التعامل مع هذه الفكرة.

وشدد وهبي على ضرورة تغيير المنهج المعتمد في عمل النيابة العامة، قائلاً إن على الادعاء العام أن يبحث عن وسائل الإثبات ووسائل النفي معاً، لا أن يركّز فقط على إدانة المتهم. وأبرز أن المفارقة في الواقع القضائي تكمن في أن وكيل الملك يسعى غالباً إلى الإدانة، متجاهلاً أحياناً الأدلة التي قد تبرئ المتهم، ما يُعد ممارسة تهدد العدالة، بحسب تعبيره. كما دعا إلى التنصيص على مقتضى قانوني يُحمّل النيابة العامة مسؤولية البحث عن الحقيقة سواء أدانت أو برّأت.

وفي سياق متصل، عبّر وزير العدل الأسبق مصطفى الرميد، خلال لقاء نظمه قطاع المحاماة التابع لحزب التقدم والاشتراكية، عن استيائه من بعض التعديلات الواردة في المشروع، خاصة تلك المتعلقة بحماية المال العام وضمانات المحاكمة العادلة. وانتقد الرميد مادة تُقيد حق جمعيات حماية المال العام في الترافع بشأن قضايا الفساد، مشيراً إلى أن هذه التعديلات تتناقض مع مقتضيات الدستور المغربي والاتفاقيات الدولية المصادق عليها من طرف المملكة.

كما أعرب الرميد عن استغرابه من السرعة التي يتم بها تمرير المشروع داخل لجنة العدل والتشريع، مشيراً إلى أن هذه الوتيرة السريعة قد تؤثر سلباً على جودة النقاش والتعمق في تفاصيل النص القانوني. واستحضر في هذا الإطار تجربة مناقشة القوانين خلال فترة حكومة عبد الرحمان اليوسفي، حيث كانت النقاشات تأخذ وقتها الكامل، بمشاركة فعالة من المحامين والأساتذة الجامعيين، وهو ما اعتبره ضرورياً لصياغة تشريع يواكب تطور الحقوق والحريات.

وفي ما يخص التعديلات المرتبطة بحقوق المتهمين أثناء التحقيق، انتقد الرميد التراجع عن التنصيص على التسجيل السمعي البصري للاستجوابات أمام الشرطة، كما عبّر عن اعتراضه على عدم التنصيص على حضور المحامي أثناء استجواب الأشخاص غير الموضوعين رهن الحراسة النظرية. واعتبر أن هذه التعديلات تُضعف مصداقية المنظومة القضائية وتفتح الباب أمام الشبهات.

وفي ختام مداخلته، دعا الرميد الحكومة والمشرّعين إلى التحلي بالشجاعة لتصحيح ما وصفه بـ”التراجعات الحقوقية”، مؤكداً أن المغرب بحاجة إلى قانون يعزز الحقوق ويحافظ على المكتسبات الديمقراطية. وشدد على أن المشروع، رغم احتوائه على بعض الإيجابيات، لا يتماشى في صيغته الحالية مع التزامات المملكة الدولية في مجال حقوق الإنسان، وقد ينعكس سلباً على صورتها في الخارج.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

المنشور السابق

طنجة تتهيأ لاحتضان أضخم عرض فني سلفادوري في إفريقيا: موعد مع لوحات تتنفس روح أمريكا اللاتينية

المنشور التالي

كلمات قليلة.. ورسائل كثيرة: لقاء روسي-أميركي في الرياض يفتح نافذة للتقارب

المقالات ذات الصلة