في الوقت الذي تزداد فيه هيمنة الشبكات الاجتماعية على الحياة اليومية للمغاربة، كشف تقرير حديث “الباروميتر السنوي للشبكات الاجتماعية لسنة 2025″، الصادر عن صحيفة ليكونوميست ومجموعة سونيرجيا، عن وجود أكثر من 7 ملايين مغربي خارج هذا العالم الرقمي، أي ما يعادل 19% من إجمالي السكان، وهي نسبة تسلط الضوء على فجوة رقمية مستمرة رغم تسارع التحول الرقمي في البلاد.
وأوضح التقرير أن الفئات “غير المتصلة” تتركز بالأساس في القرى، وبين كبار السن والفئات الاجتماعية ذات الدخل المحدود. إذ أن 47% ممن تزيد أعمارهم عن 64 سنة لا يستخدمون الشبكات، و29% من غير المتصلين يعيشون في الوسط القروي، و31% ينتمون إلى الطبقات الدنيا. لكن هذه الأرقام لا تعني أن المسألة تقتصر على الفقر أو الهشاشة.
وفي تصريحه لTHE PRESS، أوضح الخبير في المجال الرقمي محمد أمين محفوظي أن الفجوة الرقمية “لا ترتبط فقط بالفئات الهشة أو الأقل تعليما، بل تتجاوز ذلك لتشمل حتى أطباء ومهندسين وأصحاب شهادات عليا، ممن يمتلكون هواتف ذكية لكنهم لا يرون جدوى في استخدام الشبكات الاجتماعية”. وأضاف: “لدينا في المغرب حوالي “45 مليون” هاتف ذكي، لكن ذلك لا يعني أن الجميع متصلون أو مندمجون رقميا”.
وبحسب محفوظي، فإن “عدم استخدام الشبكات في بعض الحالات لا يعود إلى غياب الوسائل، بل إلى اختيارات فردية أو مواقف ثقافية واجتماعية، كرفض الانخراط في عالم يعتبره البعض سطحيا أو غير موثوق أو حتى لا يتماشى مع هويتنا وثقافتنا المغربية المعقدة. وهذا ما يجعل الفجوة الرقمية متعددة الأبعاد، ولا يمكن اختزالها في مجرد غياب الاتصال أو الأجهزة”.
في المقابل، أشار تقرير “الباروميتر” إلى أن 81% من المغاربة يستعملون الشبكات الاجتماعية بانتظام، حيث تصدر واتساب قائمة التطبيقات الأكثر استخداما بنسبة 75%، يليه فيسبوك بـ62%، ثم إنستغرام بـ42%. كما دخل يوتيوب لأول مرة إلى تصنيف المنصات الأكثر استخداما بنسبة 40%، متقدما على تيك توك (24%)، ما يعكس تأثير المحتوى المرئي وخوارزميات الذكاء الاصطناعي.
وأوضح محفوظي أن هذه الفجوة “تؤثر بشكل مباشر على فرص التعليم والعمل والتواصل، خاصة مع تسارع الرقمنة في الخدمات العمومية والقطاع الخاص”، مضيفا أن “التحول الرقمي إن لم يكن شاملا وعادلا، فقد يزيد من تهميش الفئات الضعيفة بدل أن يدمجها”.
كما بين التقرير أن أنماط الاستخدام تختلف حسب الفئات، حيث يستهوي إنستغرام النساء والشباب بنسبة 89% في الفئة العمرية 18-24 سنة، ويستخدم واتساب يوميا من قبل 95% من مستعمليه، ويظهر يوتيوب تنوعًا لافتًا في قاعدة مستخدميه. أما تيك توك، فيُعد المنصة المفضلة لدى فئة الشباب بفضل أدواته الإبداعية وخوارزمياته التفاعلية.
واختتم محفوظي تصريحه بالتأكيد على أن تجاوز هذه الفجوة الرقمية يتطلب إستراتيجية وطنية شاملة تشمل “تحسين التعليم الرقمي في المدارس، وتوسيع التغطية بشبكة الإنترنت في المناطق النائية، وخلق محتوى موجه للفئات غير المتمرسة تكنولوجيا”, مع اعتماد قنوات رقمية مغربية 100%, لكي تتماشى مع عقلية وثقافة المغاربة الذين فقدوا الثقة في شبكات التواصل الاجتماعي، مشددا على أن العدالة الرقمية “لم تعد ترفا، بل شرطا أساسيا لتحقيق التنمية الشاملة في المغرب”.