تبون…رجل من زئبق

في خضم أزمة دبلوماسية خانقة بين الجزائر وباريس، اختار الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون، مساء السبت 22 مارس، أن يضع حدًا ظاهريًا للتصعيد، مُلوّحًا بورقة التهدئة. غير أن خطابه الأخير، المليء بالتناقضات، لايعكس تغيرًا استراتيجيًا بقدر ما يُجسد حالة ارتباك واضحة في دوائر صنع القرار في الجزائر، وعجزًا عن تحديد تموقع دبلوماسي متماسك في لحظة إقليمية دقيقة.

فبعد أشهر من تحميل المغرب وفرنسا مسؤولية التوتر في العلاقات الثنائية، لم يتردد تبون في وصف الأزمة الأخيرة مع باريس بأنها “مُفتعلة”، مُؤكدًا أن “المرجعية الوحيدة” بالنسبة له تظل الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون. هذه المراوغة الخطابية، التي تنقلب على مواقف سابقة صريحة، تُشير إلى أن النظام الجزائري يسير من رد فعل إلى آخر، دون رؤية متكاملة أو ثوابت واضحة في التعاطي مع الملفات الدولية الحساسة.

تصريحات تبون الأخيرة، التي وُصفت بمحاولة “تبريد الجبهة”، تُخفي في طياتها تراجعًا سياسيًا واضحًا. فالرئيس الجزائري، الذي ظل لشهور يُلوّح ببطاقة “السيادة الوطنية” و”الرد الصارم” على كل استفزاز فرنسي، بات اليوم يُبرّئ حتى زيارات المسؤولين الفرنسيين للصحراء المغربية، واصفًا إياها بأنها “ليست استفزازًا”، بل ويُحيل الأمر برمّته إلى أنه “موضوع يُزعج الأمم المتحدة”، لا الجزائر!

أما ما يلفت الانتباه أكثر، فهو الخطاب المزدوج الذي يتحدث عن “تفاهم بين رئيسين” و”قضية بيد وزراء الخارجية”، في حين لا يتوانى عن إطلاق إشارات سياسية سلبية تجاه وزير الداخلية الفرنسي، في ما بدا كأنه هروب إلى الأمام لتفادي الإقرار بالقصور الدبلوماسي الجزائري في إدارة الأزمة منذ بدايتها.

في المحصلة، يظهر أن السياسة الخارجية الجزائرية، بقيادة تبون، تسير في دوامة من التناقضات، حيث تُغلب الشخصنة على الاستراتيجية، والخطاب الداخلي التعبوي على الواقعية الدبلوماسية. ومن موقعه كرئيس، لم يُقدّم تبون مخرجًا حقيقيًا للأزمة، بل زاد من تعقيدها بتصريحات فضفاضة تُفقد الموقف الجزائري مصداقيته في العواصم الكبرى، وفي مقدمتها باريس.

الحاصول…الراس اللي ماكيدور كدية… غير هاذ السيد راسو كيدور بلا قياس…

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

المنشور السابق

بلعمري يدخل رسمياً معركة تنزانيا لتعويض غياب حكيمي

المنشور التالي

نحو سجون دامجة: سلا تستعد لاحتضان الدورة الرابعة لبرنامج “جامعة في السجن”

المقالات ذات الصلة