“بومزوي” أو القولون العصبي.. مرض نفسي بأعراض جسدية

في كل ساعة أو دقيقة, يعيش آلاف الأشخاص في المغرب وفي العالم لحظات توتر صامت، تبدأ بانتفاخ خفيف وتنتهي بألم لا يطاق في البطن, مرفوقة بمزاج متقلب وخوف لا تفسير له. ففي العيادات، تأتي نتائج التحاليل سليمة، لكن المعاناة نفسية, حقيقية، مزمنة، ومنهكة; إنه القولون العصبي، أو كما يطلق عليه المغاربة اسم “بومزوي”; مرض يختبئ خلف المشاعر، ويهاجم الجسد حين تعجز النفس عن التعبير عن قلقها وتوترها.

وفي تصريحها ل THE PRESS, قالت الدكتورة صفاء العزماني، أخصائية مغربية في الطب الباطني، إن القولون العصبي أو Syndrome de l’intestin irritable ليس مرضاً عضوياً، بل هو متلازمة تضم مجموعة من الأعراض العضوية الظاهرة، منها انتفاخات وغازات، آلام متفاوتة الشدة في البطن والظهر وفي الحوض أحيانا عند النساء، إمساك وأحياناً إسهال، مع تسارع في نبضات البطن. وتضيف صفاء ; “غالباً ما تكون الفحوصات من أشعة وتحاليل سليمة، لكن الأعراض حقيقية ومزعجة، ويرتبط ظهورها بالحالة النفسية للشخص والتوتر والقلق المزمن”.

ويصنف القولون العصبي إلى ثلاثة أنواع رئيسية:

القولون العصبي المختلط (IBS-M)، والذي يتناوب فيه الإمساك والإسهال.

القولون العصبي مع الإمساك (IBS-C).

القولون العصبي مع الإسهال (IBS-D).

وأشارت العزماني في تصريحها, إلى أن النساء هن الأكثر عرضة للإصابة بهذه المتلازمة، مرجعة ذلك إلى “العبء العاطفي والنفسي الكبير الذي تتحمله المرأة، ما يجعلها تتفاعل بشكل أكثر حساسية مع ضغوط الحياة اليومية, مما يؤثر على صحتها النفسية والجسدية وحتى دورتها الشهرية في أشد الحالات.

وفي السياق ذاته شاركت (ف.آ)، شابة في أواخر العشرينات، تجربتها القاسية مع “بومزوي” في حوارها مع THE PRESS، التجربة التي بدأت في سن المراهقة قبل عشر سنوات من الآن، تحديداً خلال فترة التوتر من امتحان السنة الأولى بكالوريا (فترة حساسة لدى جل التلاميذ والتلميذات في سنها)، حين داهمها ألم حاد في البطن، ولم تفهم مصدره. وتقول: “كان شعوراً غريباً، كأن أحدهم يغرس سكيناً في جوانبي… ظننتها لحظة عابرة، لكنها لم تكن كذلك”.

وهنا بدأت رحلتها بين الأطباء، كلّ يشخص بطريقته، والأدوية تتغير من وصفة لأخرى دون تحسن حقيقي، حتى التقت بطبيب أخبرها بأن ما تعانيه ليس مرضاً عضوياً، بل “بومزوي” مرتبط بالتوتر والقلق واصفا, لها بعض الأدوية المهدئة, وتابعت: “قال لي الطبيب إن جسدي يترجم القلق على شكل ألم، وإن الحل يكمن في تهدئة الأعصاب والابتعاد عن كل مسببات التوتر” ومنذ ذلك الحين لم يزرها الألم.

وخلال رمضان الماضي، عادت النوبات بشكل أعنف، مع تغيّر نمط الأكل واشتداد الضغوط والمشاكل الشخصية, فصرحت”في تلك الفترة كنت أحس بأن قلبي يخفق بسرعة، لا أستطيع التنفس بسهولة، وإن حاولت الاسترخاء أشعر بألم حاد أسفل القفص الصدري”.

ومع خيبة الأمل من العلاجات التقليدية، لجأت (ف.ن) إلى “الكي”، وهي طريقة علاج شعبي معروفة في المغرب, وسردت التجربة قائلة: “ذهبت إلى امرأة مختصة، تضع فوطة ساخنة على موضع الألم وتقوم بكوْي المنطقة بسكين ساخن دون أن تلامس الجلد مباشرة. في البداية شعرت بتحسن، لكن الألم عاد بعد أيام معدودة “.

وتصف (ف.آ) نوبات القولون العصبي بـ”المميتة”، لا جسدياً فقط بل نفسياً، مؤكدة أن “القولون العصبي مرض نفسي يتخفى تحت قناع الجسد، فهو باب مفتوح على الاكتئاب والمزاجية والعزلة والخوف غير المبرر من أي شيء وأي شخص; حيث يصبح أي نشاط عادي كقطع الخبز بالسكين مخيفا بشكل غير عادي, ناهيك عن الخوف من الناس والعصبية المفرطة “.

وشددت صفاء العزماني على أن الطريق نحو التعايش مع القولون العصبي يبدأ من التحكم في العوامل النفسية، مثل القلق والتوتر، مشيرة إلى أهمية نمط الحياة السليم، كتناول الغذاء المتوازن, وأدوية مضادة للألم، ممارسة الرياضة، وأي نشاط يريح العقل والقلب, والنوم الجيد، واللجوء إلى تقنيات الاسترخاء كالتنفس العميق, مضيفة: “القولون لا يحب الفوضى، لا في الطعام ولا في المشاعر”.

وفي الختام, القولون العصبي ليس مرضاً خطيراً، لكنه عنيد، ورفيق ثقيل الظل، يقتات على التوتر ويزدهر في بيئة القلق. ورغم عدم وجود علاج نهائي له، إلا أن الوعي بطبيعته وطرق التحكم فيه هو الخطوة الأهم نحو استعادة الحياة الطبيعية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

المنشور السابق

الرباط والدوحة تعززان تحالفهما: دعم قوي لمغربية الصحراء وتوافق راسخ حول فلسطين

المقالات ذات الصلة