القفطان.. قصة وطن تُحاك بخيوط من ذهب

عندما يُذكر القفطان، تحضر الأناقة متوشحة بالأصالة، وتحضر قرون من التاريخ الذي خُيط على أكتاف نساء المغرب، جيلاً بعد جيل. فالقفطان ليس مجرد لباس، بل هو مرآة حضارية تعكس عمق الثقافة المغربية، بتنوع ألوانها وتعدد روافدها. ووسط هذا التراث الزاخر، يظل الحرفي والمصمم حجر الزاوية، وهو ما جعل من مريم بوسيكوك، واحدة من أبرز الأسماء التي أعادت لهذا اللباس التقليدي روحه الحية، بأسلوب يمزج بين وفاء الماضي وإبداع الحاضر.



من العلوم إلى عالم الأزياء.. شغف لا يعرف الحدود
نشأت مريم بوسيكوك في بيت تنبض جدرانه بذوق رفيع، فوالدتها التي كانت تمتهن الخياطة، غرست فيها منذ الطفولة عشق القماش والإبرة والخيط. ورغم توجهها الأكاديمي نحو كلية العلوم بالدار البيضاء، إلا أن شغفها بعالم الأزياء دفعها للالتحاق بمعهد “كريفوغ” العالي للإدارة والأزياء. هناك، التقت مريم بذاتها الإبداعية، وبدأت تنسج ملامح حلمها الكبير في أن تصنع بصمتها الخاصة داخل مشهد القفطان المغربي.


لم تكن مريم تبحث عن الشهرة، بل عن الخلود الجمالي الذي تحققه فقط الأيادي التي تعرف كيف تحترم القماش، وتُصغي لروحه. ومنذ أن أسست علامتها الخاصة سنة 1997، وهي تعمل على تطوير تصاميمها لتجعل من كل قفطان تحفة تروي حكاية مغربية برؤية عصرية. تستوحي خطوطها من نقوش الزليج، ألوان المدن العتيقة، ورمزية الأمازيغية والعربية، في تناغم يجعل العين لا تخطئ توقيعها.
بين الأصالة والابتكار.. معادلة دقيقة
تؤمن مريم أن جمال القفطان يكمن في حفاظه على هويته، رغم مواكبته للموضة العالمية. وهذا التوازن ليس سهلاً، بل يتطلب معرفة دقيقة بالتقاليد وأفقًا منفتحًا على الحداثة. فقد واجهت المصممة تحديات جمّة، أبرزها مقاومة اختزال القفطان في مجرد “فستان سهرة”، وبدلاً من ذلك، عملت على ترسيخه كمنتج ثقافي يعبر عن الحشمة والرقي، ويمنح المرأة حضورًا استثنائيًا دون أن تفقد صلتها بجذورها.

من المغرب إلى العالم.. بصمة تتجاوز الحدود
بفضل مثابرتها ورؤيتها الفنية، استطاعت تصاميم مريم بوسيكوك أن تعبر القارات. ارتدت أعمالها نجمات وشخصيات بارزة، وظهرت في تظاهرات مرموقة، لتجسد التقاء الجمال بالحرفية. ويُنجز القفطان الواحد لديها خلال أشهر، إذ يُنفذ بتأنٍ كبير على يد نخبة من الحرفيين المغاربة، وهو ما يمنح كل قطعة فرادة لا تتكرر. فالقفطان عند مريم ليس إنتاجًا، بل رسالة، وجمالٌ مصنوع بالحب والاحترام للتراث.

رسالة للأجيال.. دعوا الجذور تنبت أجنحة
في ختام مسارها المهني الذي ما يزال ينبض عطاءً، توجه مريم بوسيكوك رسالة لكل من يحمل في قلبه حلمًا: لا تخشَ المراهنة على هويتك. تدعو الجيل الجديد من المصممين إلى التجذر في التاريخ والابتكار في الحاضر، لأن القفطان ليس فقط تراثًا يُحفظ، بل هو أيضًا أرض خصبة للتجديد والتعبير. ففي عالم السرعة والتقليد، تظل الأصالة هي النور الذي لا ينطفئ، إذا ما حملته أيادٍ صادقة وعقول مؤمنة.