بعد فضائح الديبلومات المزورة.. هل انهارت آخر قلعة للمصداقية في المجتمع المغربي؟

في وقت تتلاحق فيه المطالب بإصلاح جذري لمنظومة التعليم العالي، جاءت تحركات الفرقة الوطنية للشرطة القضائية لتكشف حجم الانحراف الذي يضرب بعض الجامعات المغربية، وتعيد الأمل في محاسبة المتورطين. فقد فجرت تحقيقات ميدانية دقيقة واحدة من أخطر القضايا المرتبطة ببيع الشهادات والتسجيلات في سلك الماستر، تورط فيها أستاذ جامعي بآسفي إلى جانب زوجته المحامية، ورئيس كتابة الضبط بالمحكمة الابتدائية، ومحامين آخرين. جهود الشرطة القضائية قادت إلى تفكيك شبكة متشابكة من الفساد، وأفضت إلى متابعة الأستاذ المعني في حالة اعتقال، في خطوة تعكس يقظة أمنية وقضائية تستحق التنويه، لكنها في الوقت ذاته تفضح هشاشة الرقابة داخل المؤسسات الأكاديمية.

وفي المجتمعات التي تحترم نفسها، تُعتبر الجامعة آخر معقل للمصداقية الأخلاقية والرصانة العلمية، لكن هذا المعقل بدأ يتهاوى تباعاً، وسط كوارث أخلاقية وسلوكية تتوالى على نحو يهدد ليس فقط صورة الجامعة، بل أسس المنظومة التعليمية برمتها. وما كان يفترض أن يكون فضاء لتكافؤ الفرص وصناعة النخب بات، في كثير من الحالات، مجرد سوق سوداء تُعرض فيه الشهادات والمناصب للبيع، في مشهد يتجاوز الفساد الإداري إلى الانهيار القيمي الكامل.

آخر هذه الفضائح لم تأتِ من روايات صحفية هامشية، بل من تقارير موثوقة كشفت عن عمليات “بيع وتوظيف” فاضحة شملت كليات بجامعة عبد المالك السعدي. منصب أستاذ جامعي – المفترض أنه تتويج لمسار علمي صارم – بيع بـ30 مليون سنتيم، وكأننا أمام بورصة للسلع الفاسدة. في كلية الحقوق بطنجة، توظيفات غامضة بملايين السنتيمات؛ وفي المدرسة الوطنية للعلوم التطبيقية بتطوان، مقاعد وظيفية تُمنح لمن يدفع أكثر. في كل حالة، يتآكل مبدأ الاستحقاق، ويُختزل الجهد العلمي إلى مجرد رقم بنكي.

هذا ليس شذوذاً معزولاً، بل هو الامتداد الطبيعي لمسلسل بدأ بفضائح “الجنس مقابل النقط” التي هزت جامعات من سطات إلى طنجة، ومرّ بشبكات “الدبلومات مقابل المال” التي فجرتها تحقيقات في جامعة ابن زهر بأكادير. وفي الحالتين، كان البطل واحداً: “الأستاذ” الذي يخلط السلطة بالابتزاز، والعلم بالفساد، ويتحول من قدوة إلى متهم أمام القضاء.

في فضيحة سطات، أُدين أساتذة استغلوا مواقعهم للضغط على الطالبات مقابل خدمات جنسية، وسط صمت مؤسساتي مريب قبل أن ينفجر الرأي العام تحت وسم #MeTooUniv. أما في أكادير، فالقضية تأخذ طابعاً أخطر: شبكة متكاملة يقودها أستاذ قانون، ووراءه حسابات بنكية بملايين الدراهم، ووثائق مزورة، وتواطؤ محامين وموظفين، وكأننا أمام تنظيم إجرامي لا مؤسسة أكاديمية.

كل هذا يطرح سؤالاً مؤلماً: كيف يمكن لمجتمع أن يبني نخباً ومؤسسات قوية في ظل منظومة جامعية ملوثة؟ ما قيمة شهادة تُشترى بالمال أو تُنتزع بالابتزاز؟ وكيف نُقنع الشباب بأن الاجتهاد والتفوق هما طريق النجاح، بينما الواقع يصرخ بالعكس؟

نحن أمام أزمة ثقة حقيقية، ليس فقط في الجامعة، بل في المنظومة التي يُفترض أن تحمي العدالة وتكافؤ الفرص. وإذا استمر هذا الانحدار، فإننا لا نخسر فقط طلاباً متفوقين، بل نخسر الأمل في الإصلاح.

المطلوب اليوم ليس مجرد محاسبة فردية، بل تحرك شامل لإعادة بناء الثقة. نحتاج إلى قوانين صارمة، وآليات تبليغ فعالة، وميثاق أخلاقي يُلزم كل الفاعلين داخل الجامعة، وتدقيق شفاف في كل مسار توظيف أو منح شهادة. نحتاج إلى أن تعود الجامعة منارةً للعلم لا مزاداً للفضائح.

فالجامعة، حين تنهار، لا يسقط معها التعليم فقط، بل يسقط معها الحلم الجماعي بمستقبل منصف قائم على الكفاءة والمعرفة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

المنشور السابق

المغرب يرفع إنتاج المياه المحلاة ثماني مرات لمواجهة تحدي الندرة المائية

المنشور التالي

الفريق الاشتراكي يعلق التنسيق حول ملتمس الرقابة بسبب غياب الجدية وتضييع الزمن السياسي

المقالات ذات الصلة