خلال الزيارة التي وصفت بالمفصلية، حين حل وزير الخارجية البريطاني، ديفيد لامي، بالمغرب مطلع يونيو الجاري حاملا حزمة من الاتفاقيات التي تعكس تحولا نوعيا في العلاقات الثنائية بين الرباط ولندن، تم توقيع ولأول مرة مذكرة تفاهم استراتيجية في مجال التعليم العالي، تنص على إنشاء لجنة توجيهية مشتركة لتطوير البحث العلمي والتعليم العابر للحدود، مع دعم تدريجي لتدريس المواد الجامعية باللغة الإنجليزية، في خطوة يرتقب أن تحدث تأثيرا بالغا على لغة وأساليب التدريس داخل الجامعات المغربية.
وفتحت الاتفاقيات الباب أمام إمكانيات غير مسبوقة، أبرزها الترخيص بفتح فروع لجامعات بريطانية داخل المغرب، مع الاعتراف التلقائي المتبادل بالشهادات الجامعية، وفق ما أعلن المركز الثقافي البريطاني. وهو ما يشكل رافعة جديدة أمام الطلبة المغاربة، ويوسع من خيارات التعليم العالي المعترف به دوليا دون الحاجة للهجرة أو تحمل تكاليف الدراسة في الخارج.
أما على مستوى التعليم الثانوي، فقد تم الاتفاق على توسيع برنامج “الإنجليزية للتدريس” « English for Teaching » الذي يشرف عليه المجلس الثقافي البريطاني، بتمويل مشترك مع وزارة التربية الوطنية، يشمل تدريب آلاف الأساتذة والمفتشين في مختلف جهات المملكة. ويعكس هذا التوجه رغبة المغرب في تعزيز مكانة اللغة الإنجليزية داخل منظومته التعليمية، وإعادة رسم خريطة اللغات في المدرسة العمومية، بعيدا عن الثنائية التقليدية للعربية والفرنسية.
وتأتي هذه الدينامية الأكاديمية ضمن إطار سياسي أشمل، تجلّى في إعلان المملكة المتحدة دعمها الرسمي لمبادرة الحكم الذاتي في الصحراء المغربية، واعتبارها الحل الأكثر واقعية ومصداقية لحل النزاع الإقليمي. وبهذا الموقف، تنضم لندن إلى محور دولي مؤثر يضم واشنطن وباريس ومدريد وبرلين، مما يضاعف عزلة الطرح الانفصالي الذي تتبناه الجزائر وجبهة البوليساريو، ويعزز مكانة المغرب كفاعل موثوق إقليميا ودوليا في قضايا الاستقرار والتنمية.