لجان تقصي الحقائق : أدوات رقابية دستورية تتعثر في متاهات التوازنات السياسية

في الوقت الذي ينص فيه الدستور المغربي على آليات رقابية تعزز من دور المؤسسة التشريعية في مراقبة العمل الحكومي، تبقى فعالية هذه الآليات رهينة بالتوازنات السياسية داخل البرلمان ومدى استعداد الفرق النيابية للتفاعل والتوافق. وتعد لجان تقصي الحقائق من بين أبرز هذه الأدوات إذ تحمل في طياتها إمكانيات رقابية قوية، لكنها تواجه في الواقع تحديات مرتبطة بالسياق السياسي أكثر من ارتباطها بالنصوص القانونية المنظمة لها.

في هذا الصدد أكدت بثينة قروري أستاذة القانون الدستوري وعلم السياسة بكلية الحقوق السويسي-الرباط لموقع THE PRESS, ان البرلمان المغربي سبق أن لجأ إلى هذه الآلية قبل أن يتم التنصيص عليها دستوريا سنة 1992. ففي سنة 1979، تقدم فريقان أحدهما من المعارضة والآخر من الأغلبية، على خلفية الجدل الذي رافق سير امتحانات الباكالوريا، ما عكس وجود إرادة سياسية في تفعيل الرقابة حتى في غياب نص دستوري واضح آنذاك. وفي بداية التسعينيات تم إحداث لجنة لتقصي الحقائق حول الإضرابات الاجتماعية لسنة 1990، لتشكل بذلك مقدمة لما سيصبح لاحقا جزءا من الأدوات الدستورية الرقابية.

ومنذ دسترة لجان تقصي الحقائق في دستور 1992، شكلت أول لجنة سنة 1995 للتحقيق في موضوع المخدرات وتلتها عدة لجان، منها لجنة القرض العقاري والسياحي سنة 2000، لجنة أحداث سيدي إيفني 2008، ولجنة أحداث أكديم إيزيك 2010. غير أن الأستاذة تلفت الانتباه إلى مفارقة مهمة: “فرغم أن النصاب قبل دستور 2011 كان مرتفعا بالأغلبية المطلقة، فقد تمكن البرلمان من تشكيل 8 لجان، بينما فشل بعد 2011 في تشكيل أي لجنة داخل مجلس النواب رغم تخفيض النصاب إلى الثلث، في حين نجح مجلس المستشارين في تشكيل 4 لجان نجحت 3 منها في تقديم تقاريرها داخل الآجال القانونية”.

أما بخصوص المسطرة فتشير الأستاذة إلى أن تشكيل لجنة تقصي الحقائق يبدأ بجمع توقيعات الثلث ثم إيداع الطلب لدى رئاسة المجلس، التي تخطر رئيس الحكومة خلال ثلاثة أيام. وفي حال عدم التوصل برد خلال 15 يوما يشرع في تشكيل اللجنة المكونة من ممثلين عن الفرق النيابية وفق قاعدة التمثيل النسبي. وتتوفر اللجنة على صلاحيات قوية منها استدعاء أي شخص ترى ضرورة الاستماع إليه وإلزامه بالشهادة تحت القسم، مع إمكانية إحضاره بالقوة العمومية إذا امتنع, كما أن القانون يفرض عقوبات حبسية وغرامات على من يرفض التعاون.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

المنشور السابق

المغرب يعزز موقعه السياحي باستقطابه 5,7 مليون زائر في أربعة أشهر فقط

المنشور التالي

500 مليون دولار خسائر مطار صنعاء جراء القصف الإسرائيلي

المقالات ذات الصلة