انفجار أسعار الذاكرة: الذكاء الاصطناعي يبتلع السوق.. والمستخدم يدفع الثمن!

يشهد سوق مكوّنات الحواسيب موجة غير مسبوقة من ارتفاع أسعار الذاكرة العشوائية، إذ تضاعفت أسعار شرائح DDR4 وDDR5 خلال فترة لا تتجاوز 3 أشهر فقط. فرامة بسعة 32 جيجابايت DDR5 التي كانت تباع بسعر يتراوح بين 94 و96 دولاراً قفزت اليوم إلى أكثر من الضعف، وسط توقعات ببلوغ الأسعار مستويات قد تصل إلى 600 أو حتى 700 دولار إذا استمر الوضع بالوتيرة نفسها. هذا الارتفاع الحاد لا يرتبط بتقلبات اقتصادية عابرة بل يعود إلى التوسع الهائل في تطبيقات الذكاء الاصطناعي، الذي أصبح المستهلك الأكبر لذاكرة من نوع HBM، وهي ذاكرة عالية النطاق مخصصة لمراكز البيانات التي تشغّل أنظمة الذكاء الاصطناعي لدى شركات مثل OpenAI وGoogle.

المفارقة أن الشركات الثلاث المسيطرة على صناعة الذاكرة عالمياً—Samsung وSK Hynix وMicron—هي نفسها التي تنتج الذاكرة التقليدية الموجهة للحواسيب الشخصية وأجهزة الجيمينغ. ومع الانفجار في الطلب على HBM، التي تدر أرباحاً أعلى بكثير من الذاكرة العادية، بدأت هذه الشركات بتحويل جزء كبير من خطوط إنتاجها نحو تلبية احتياجات مراكز البيانات العملاقة، التي تشتري آلاف الوحدات دفعة واحدة، مقابل المستخدم العادي الذي يشتري قطعة واحدة أو اثنتين لجهازه. ولأن تصنيع HBM أكثر تعقيداً ويتطلب خطوات ومساحات تصنيع إضافية، تقلّص إنتاج الذاكرة التقليدية بشكل ملحوظ، ما تسبب في نقص حاد في المعروض.

تزامن ذلك مع ازدياد متطلبات الألعاب الحديثة، التي دفعت معيار الذاكرة الأساسي للاعبين من 16 جيجابايت إلى 32 جيجابايت، بينما يواصل العرض الانخفاض. هذا التناقض بين زيادة الطلب وتراجع المعروض خلق بيئة مثالية لارتفاع الأسعار بشكل مستمر، دون بوادر على أي تراجع قريب. ومع انخراط الشركات التقنية الكبرى في سباق الذكاء الاصطناعي، أصبح من الواضح أن الأولوية لم تعد للمستخدمين ولا للجيمرز، بل للجهات القادرة على الدفع أكثر وشراء كميات أكبر، ما يجعل مستقبل سوق الذاكرة التقليدية غامقاً إلى حد كبير.

وبينما يواصل الذكاء الاصطناعي ابتلاع مخزون الذاكرة العالمي، يرى كثيرون أن الوقت الحالي هو الأمثل لكل من يخطط لبناء حاسوبه الخاص أو ترقية جهازه، لأن شراء الذاكرة في الشهور المقبلة قد يتحول إلى عبء مالي ثقيل يصعب تحمله، خصوصاً لمن يعتمدون على ميزانيات محدودة. هكذا، يجد المستخدم العادي نفسه في قلب معركة لا علاقة له بها، لكنه يتأثر بنتائجها المباشرة، فيما تواصل الشركات العملاقة إعادة رسم خريطة السوق وفق مصالح سباق الذكاء الاصطناعي المتسارع.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

المنشور السابق

المغرب يرسخ موقعه كقوة رقمية صاعدة بإطلاق شراكات مبتكرة في الذكاء الاصطناعي

المقالات ذات الصلة