اليوم العالمي للعمال: نضال متواصل من أجل الكرامة الإنسانية

بقلم فاطمة الزهراء بشرواي

في الأول من مايو من كل عام، يحتفل العالم باليوم العالمي للعمال، ذلك اليوم الذي يمثل محطة تاريخية فارقة في مسيرة النضال العمالي عبر العصور. إنه ليس مجرد مناسبة احتفالية عابرة، بل هو تذكير بنضالات وتضحيات قدمها العمال على مر التاريخ من أجل حقوقهم وكرامتهم.

جذور تاريخية عميقة

تعود جذور الحركة العمالية إلى قرون مضت، حيث كانت بريطانيا من أوائل الدول التي اعترفت بالأهلية الكاملة للنقابات العمالية، وكان ذلك في عام 1871. وما يلفت الانتباه في تاريخ تطور النقابات هو ذلك التقارب بينها وبين الحركات الاشتراكية، نظرًا لاتفاق الطرفين على معارضة تسلط رأس المال.

قد يظن البعض أن النقابات ظاهرة خاصة بالنظام الرأسمالي، وأنها بالتالي تصبح غير ضرورية إذا ما تبنى المجتمع النظام الاشتراكي حيث يسيطر الشعب نظريًا على وسائل الإنتاج. لكن الواقع يؤكد أن الحاجة إلى التنظيم النقابي هي حاجة إنسانية أساسية في كل المجتمعات، لضمان حقوق العمال وصون كرامتهم.

تفاوت النضال بين المجتمعات

النضال العمالي يتخذ مستويات مختلفة حسب السياق الزماني والمكاني. ففي الوقت الذي يطالب فيه عمال بعض المجتمعات بالمساواة في الأجور بين الجنسين، والاهتمام بالصحة النفسية، أو الحصول على بعض التعويضات المخملية، هناك عمال في مجتمعات أخرى لا زالوا يناضلون من أجل أن يُعاملوا كبشر فقط.

إن هذا التفاوت يعكس تباينًا صارخًا في واقع العمال حول العالم. فبينما تقطع بعض المجتمعات أشواطًا متقدمة في مجال حقوق العمال، لا تزال مجتمعات أخرى تعاني من أشكال جديدة من العبودية المعاصرة.

أبعاد مغيبة في الاحتفال بعيد العمال

لا يمكن اختزال الاحتفال بعيد العمال في شكل نضالي وحيد وموسمي: وقفات احتجاجية كل فاتح مايو واحتفال عابر أحيانًا من طرف أرباب العمل. فالاحتفال بعيد العمال قبل أن يكون يومًا لرفع اللافتات ونثر الملصقات الترافعية، يجب أن يكون فلسفة وأسلوب حياة يقتضي اعتبار العامل رأسمالًا بشريًا عوض اختزاله في حلقة إنتاجية مجردة من الاعتبارات الإنسانية والاجتماعية.

إنها ليست مبالغة أو مزايدة لحاجة في نفس يعقوب، بل اسألوا يعقوب عما يتكبده خلف الجدران المنمقة وخلف مظاهر الانفتاح على الرقمنة والذكاء، والتي تتستر على واقع يضم ممارسات وصرخات ومطالب معبر عنها وأخرى بقيت حبيسة لأجل غير مسمى.

قضايا جوهرية مغيبة..

الصحة النفسية للعامل

في عالم يتسارع فيه إيقاع العمل وتتزايد ضغوطه، أصبحت الصحة النفسية للعمال قضية جوهرية لا يمكن تجاهلها. فالضغط النفسي المستمر يؤدي إلى إرهاق ذهني وجسدي يؤثر سلبًا على إنتاجية العامل وحياته الشخصية.

احترام الكرامة الإنسانية

الكرامة الإنسانية حق أصيل لكل إنسان، وليست منحة أو هبة. ومع ذلك، لا يزال الكثير من العمال يعانون من انتهاكات لكرامتهم في بيئات العمل، سواء من خلال المعاملة المهينة أو الاستغلال غير الأخلاقي.

حسن توظيف الكفاءات

وضع الكفاءة الصحيحة في المكان الصحيح مبدأ أساسي لنجاح أي مؤسسة. لكن للأسف، لا تزال الكثير من المؤسسات تعاني من سوء توزيع الكفاءات، مما يؤدي إلى هدر الطاقات وإحباط العاملين.

واقع مرير: عندما تصبح النقابة “ممنوعة”

من المفارقات المؤلمة أنه في بعض المؤسسات، لا يزال الانتماء النقابي ممنوعًا بطرق غير مباشرة، وفي أحيان أخرى يتم ذلك بطريقة “رسمية” و”صريحة” عن طريق بند يتضمنه عقد العمل. إنها أجرأة جريئة للعبودية المعاصرة، وضرب جائر في مجهودات ومكتسبات الحركة العمالية الضاربة في عمق التاريخ منذ مئات السنين.

فبينما نحتفل بتاريخ حافل للحركة العمالية، ونناقش المكتسبات وفاعليتها وتجاوبها مع المطالب الملحة، هناك في عالم ما، في زاوية ما، لا وجود أصلًا لفلسفة الترافع، لا نقابة ولا تمثيلية داخلية للأجراء، ليس بدافع الاستغناء لأن الظروف جيدة، بل هو غياب مفتعل وتغييب ماكر، يعبر عن تجسيد صريح وصارخ لأركان العبودية المعاصرة.

نحو مستقبل أفضل

إن الاحتفال الحقيقي بعيد العمال يكمن في العمل الجاد والمستمر لتحسين ظروف العمل، وضمان الحقوق الأساسية لكل عامل، وتعزيز ثقافة احترام الكرامة الإنسانية في بيئات العمل.

فلنجعل من هذا اليوم مناسبة للتأمل في واقع العمال، والتفكير في السبل الكفيلة بتحسين أوضاعهم، والالتزام بمبادئ العدالة الاجتماعية والإنصاف في علاقات العمل.

إن مسيرة النضال العمالي مستمرة، وستظل كذلك طالما بقي هناك عامل واحد محروم من حقوقه الأساسية، أو مهضوم الكرامة في مكان عمله. فعيد العمال ليس مجرد ذكرى تاريخية، بل هو تجديد للعهد مع قيم العدالة والكرامة الإنسانية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

المنشور السابق

بورتريه: مريم بوسيكوك.. أنامل مغربية تُبدع في صمت وتُوقّع القفطان على دفاتر العالمية

المنشور التالي

الكاتبة أغاثا كريستي “تعود للحياة” عبر تقنيات الذكاء الاصطناعي

المقالات ذات الصلة