في خطوة دبلوماسية لافتة، استضافت العاصمة القطرية الدوحة، أمس الثلاثاء 18 مارس، اجتماعًا ثلاثيًا جمع أمير دولة قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، ورئيس جمهورية الكونغو الديمقراطية فيليكس تشيسيكيدي، ونظيره الرواندي بول كاغامي. يهدف اللقاء إلى تهدئة التوترات المتفاقمة بين البلدين، والتي كادت أن تشعل فتيل صراع مفتوح في منطقة البحيرات العظمى. هذا الاجتماع يأتي في إطار الجهود القطرية لتعزيز الاستقرار الإقليمي عبر الدبلوماسية الهادئة والحوار البناء.
وتعود جذور الأزمة بين الكونغو الديمقراطية ورواندا إلى سنوات من التوترات السياسية والنزاعات المسلحة، حيث تتهم كينشاسا رواندا بدعم متمردي “حركة 23 مارس” الذين يسيطرون على أجزاء واسعة من شرق الكونغو، في حين تنفي كيغالي هذه الاتهامات وتتهم جارتها بدعم مليشيات مسلحة معادية لها. وقد أدى هذا الصراع إلى تفاقم الأوضاع الإنسانية، حيث نزح مئات الآلاف من السكان، وارتفعت حدة الاشتباكات بشكل غير مسبوق، مما دفع المجتمع الدولي للتحرك بحثًا عن حل يوقف نزيف العنف.
وقد نجحت الوساطة القطرية في جمع القادة على طاولة الحوار، حيث أكدوا التزامهم بوقف فوري وغير مشروط لإطلاق النار، وناقشوا سبل تعزيز الثقة بين البلدين. كما تم الاتفاق على استمرار المباحثات التي بدأت في الدوحة، من أجل بناء أسس متينة للسلام، مع التأكيد على دعم عمليتي لواندا ونيروبي اللتين تمثلان الإطار السياسي الإقليمي لحل النزاع. ويعكس هذا التوافق رغبة الأطراف في تفادي تصعيد جديد قد يجر المنطقة إلى مزيد من الفوضى وعدم الاستقرار.
وجدير بالذكر أن الوساطة القطرية ليست بالأمر الجديد في أفريقيا، فقد سبق أن لعبت الدوحة دورًا محوريًا في حل نزاعات إقليمية، أبرزها المصالحة بين جيبوتي وإريتريا، والمساهمة في اتفاقيات سلام في دارفور. هذا الحراك يؤكد المكانة المتزايدة لقطر كوسيط دولي موثوق قادر على التفاعل مع الأزمات المعقدة، مستندًا إلى نهج قائم على الحياد والدبلوماسية الهادئة. كما يعكس رغبتها في تعزيز السلم الدولي والمشاركة في التنمية والاستقرار في مناطق النزاعات.
ومع استمرار المحادثات، تبقى التحديات قائمة، إذ يحتاج الاتفاق إلى تنفيذ فعلي على الأرض وضمان التزام جميع الأطراف ببنوده. لكن بفضل الجهود الدبلوماسية والدعم الدولي، تبدو هناك فرصة حقيقية لتحقيق انفراجة طال انتظارها في شرق الكونغو. إذا نجحت الوساطة القطرية في تحقيق تقدم ملموس، فقد تفتح الباب أمام حلول أوسع للصراعات الأفريقية، مما يعزز دور الحوار والتفاهم في إحلال السلام بدلًا من العنف والمواجهات المسلحة.