في لحظة ستبقى محفورة في ذاكرة السياسة الأميركية، دوّن النائب إيلايجا بوكر اسمه بأحرف بارزة بعد أن ألقى أطول خطاب في تاريخ الكونغرس، استمر لمدة 25 ساعة و2 دقيقة دون انقطاع. لم يكن مجرد إنجاز بدني، بل لحظة تعبير نادرة عن الضمير السياسي والإيمان العميق بقضية تتجاوز الحسابات الحزبية.
بوكر، المعروف بفصاحته ومواقفه الأخلاقية الواضحة، تحدث ليتأخر التصويت على مشروع قانون مثير للجدل متعلق بإصلاح نظام الهجرة. ورغم أن البعض رأى في خطابه محاولة لتعطيل مسار تشريعي، إلا أن حديثه تحول بسرعة إلى بيان وجداني عن العدالة، والهوية، والكرامة الإنسانية.
قال بوكر في الساعة السادسة عشرة من خطابه، بصوت مبحوح لكنه لا يزال ثابتاً:
“بعض الخطابات تُلقى لعرقلة قانون، لكن هذا الخطاب لأجل الذين لم يُكتب لهم أن يُسمعوا.”
امتد خطابه من قضية الهجرة ليشمل قضايا أوسع: من التفاوت العرقي إلى مسؤولية الدولة الأخلاقية، ومن دروس التاريخ إلى آفاق المستقبل. حضر بعض النواب ليستمعوا، وانسحب آخرون في صمت، لكن الجميع أدركوا أنهم يشهدون لحظة نادرة.
بكسر الرقم القياسي السابق الذي سجله السناتور ستروم ثورموند عام 1957، تجاوز بوكر مجرد “الفعل الرمزي”، وأثبت أن السياسة يمكن أن تكون شكلاً من أشكال الفن التعبيري، بل ومنبرًا إنسانيًا يحمل أصوات المهمّشين إلى قلب السلطة.
قالت د. دانا غولد، أستاذة التاريخ السياسي بجامعة جورجتاون: “ما فعله بوكر ليس استعراضًا. لقد استخدم جسده وصوته كأداة مقاومة، وهذه شجاعة لا تحدث كثيراً تحت قبة الكونغرس.”
حين انتهى بوكر من خطابه، بدا متعباً، لكنه وقف منتصباً كما بدأ، وسط تصفيق خافت مفعم بالاحترام. لم يكن التصفيق للمدة الزمنية، بل لما تحمله من معنى: أن الكلمة، حين تُقال بصدق، تظلّ أقوى من أي تصويت.