المغرب وكأس العالم 2030: هل نحن مستعدون ثقافيًا قبل أن نكون جاهزين لوجستيًا؟

كشفت الدراسة الاستطلاعية التي أنجزها المركز المغربي للمواطنة في ماي 2025 حول السلوك المدني لدى المغاربة عن معطيات مقلقة تتعلق بجملة من السلوكيات السلبية المنتشرة في الفضاء العام، والتي قد تسيء إلى صورة المملكة خلال احتضانها لنهائيات كأس العالم 2030. وبينما تُحرز الدولة تقدمًا ملحوظًا على مستوى الجاهزية التنظيمية واللوجستية، فإن الجانب السلوكي والمجتمعي لا يزال يعاني من اختلالات بنيوية عميقة، حسب ما تؤكده آراء غالبية المشاركين في الاستطلاع، ما يجعل من كأس العالم اختبارًا حضاريًا بامتياز، تتجاوز رهاناته حدود الملاعب إلى عمق الممارسات اليومية للمواطنين.

في مقدمة هذه السلوكيات المثيرة للقلق، برزت ظاهرة الغش التجاري، التي اعتُبرت من قبل 84.8% من المشاركين السلوك الأكثر تأثيرًا سلبيًا على صورة المغرب. هذا المعطى يعكس أزمة ثقة مزمنة تُقوّض ما يُفترض أن يكون علاقة عادلة ونزيهة بين مقدمي الخدمات والزوار، خصوصًا في قطاعات حيوية كالسياحة والنقل والمطاعم. فحين يُستقبل السائح بأسعار مبالغ فيها وخدمات متدنية الجودة، فإن الانطباع الذي يُشكَّل عن البلد يصبح في الغالب عصيًا على التغيير.

ولم تكن النظافة بمنأى عن هذا التقييم السلبي، إذ عبّر 81.7% من المستجوبين عن قلقهم من رمي النفايات في الأماكن العامة وغياب حس المسؤولية الجماعية تجاه البيئة الحضرية. في هذا السياق، تصبح النفايات المنتشرة والحدائق المتدهورة علامات على غياب ثقافة المواطنة، ومرآةً لما يمكن أن يراه الزائر في أولى خطواته داخل المدينة.

التسول، خاصة المنظم منه، واستغلال الأطفال في هذه الظاهرة، شكّل بدوره مظهرًا صادمًا، اعتبره 77% من المشاركين من بين أبرز السلوكيات المسيئة للراحة العامة ولصورة المغرب الإنسانية. فالاستغلال الممنهج للهشاشة الاجتماعية لا يسيء فقط إلى الفضاء العام، بل يعكس أيضًا تقاعسًا في حماية الطفولة وضمان كرامة الإنسان.

أما من حيث البنية التحتية الخدمية، فقد أشار 73.6% من المستجوبين إلى غياب المراحيض العامة النظيفة في المناطق السياحية، فيما رأى 71.7% أن الخدمات الصحية في حالات الطوارئ لا ترقى إلى تطلعات الزوار. هذه المؤشرات، وإن بدت تفصيلية، إلا أنها تلامس جوهر تجربة الزائر، وتكشف عن حجم التحدي في خلق فضاء آمن، نظيف، ومُجهز للاستقبال.

قطاع النقل، وبالأخص سيارات الأجرة، لا يزال بدوره نقطة سوداء، حيث أفاد 73% من المشاركين أنهم واجهوا ممارسات غير مهنية من قبيل رفض تشغيل العداد أو انتقاء الزبناء، وهي سلوكيات تُضعف من ثقة الزوار وتنقل انطباعًا بالتسيب.

ولم تسلم الشوارع والأسواق من النقد، إذ رأى 69.6% أن التحرش اللفظي أو الجسدي بالسائحات يمثل مظهرًا سلبيًا يهدد صورة البلد كوجهة آمنة ومنفتحة. كما اعتبر 64.9% أن المضايقات اليومية للزوار في الأسواق والشوارع تقلص من جودة تجربتهم السياحية وتدفعهم إلى النفور بدل الإعجاب والانبهار.

القيادة المتهورة وعدم احترام قانون السير، لاسيما في ممرات الراجلين، أثار بدوره مخاوف 61.9% من المشاركين، في دلالة على أن السلامة الطرقية ليست فقط شأنًا داخليًا، بل معيارًا أساسيًا في تقييم الدول من طرف زوارها. كما أشار 37.6% إلى أن بعض السلوكيات غير المضيافة، من قبيل الفظاظة وعدم احترام الفروقات الثقافية، تُعد مصدرًا محتملاً لانطباعات سلبية قد تترسخ لدى السياح.

كل هذه المؤشرات لا تندرج في باب الملاحظات العرضية، بل تعكس اختلالًا عميقًا في منظومة القيم المدنية، وتطرح سؤالًا جوهريًا: هل نحن مستعدون فعلاً لاحتضان حدث رياضي عالمي، ليس فقط من حيث المنشآت، بل من حيث السلوك العام؟

الجواب لا يمكن أن يكون تقنيًا فقط. إن كأس العالم، في هذا السياق، يشكّل فرصة استراتيجية لتقويم ذاتي جماعي، ولإطلاق إصلاحات ثقافية وتربوية وإعلامية شاملة تعيد الاعتبار لقيم الانضباط، والنظافة، والكرامة، والانفتاح على الآخر. فنجاحنا في هذه التظاهرة لن يُقاس بعدد الأهداف في الشباك، بل بمدى قدرتنا على تقديم صورة حضارية، تليق ببلد طموح يريد أن يحجز له مكانة مشرّفة في مشهد أمم العالم.

إن مغرب 2030 يجب ألا يُبنى بالإسمنت فقط، بل يجب أن يُبنى أيضًا بوعي المواطن، بأخلاقه في الفضاء العام، وبقدرته على احترام ضيفه، كما يحترم نفسه وتاريخه.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

المنشور السابق

مسؤول فلسطيني يشيد بجهود الملك محمد السادس في دعم القدس

المنشور التالي

مهرجان “أرواح غيوانية”.. رحلة فنية عبر الزمان والجهات لإحياء الذاكرة الغيوانية

المقالات ذات الصلة