التحقيقات الجارية في قضية “ماستر مقابل المال” لا يجب أن تظل محصورة في دائرة الأستاذ الموقوف ومن يدور في فلكه، القضية أكبر من ذلك بكثير. فالمعطيات الرائجة تشير إلى استفادة شخصيات وازنة من هذه الديبلومات، بينهم محامون وأبناء أعيان، بل وأخطر من ذلك: عناصر من سلك القضاء. وهنا يكمن جوهر الخطر، لأن المساس بنزاهة السلطة القضائية لا يهدد فقط مبدأ المحاسبة، بل يضرب في العمق صورة الدولة وهيبتها أمام مواطنيها وأمام العالم.
وفي ظل هذه المعطيات، لم يعد الحديث عن أزمة تعليم فحسب، بل عن أزمة مؤسسات تتداخل فيها شبكات النفوذ، وتتقاطع فيها المصالح بين الجامعة والإدارة وسلك العدالة. إننا أمام انكشاف صارخ ل”فساد ممنهج”، يقوّض جوهر العدالة الاجتماعية ويطرح أسئلة حارقة حول مشروعية تولي مناصب حساسة من طرف أشخاص قد يكون صكّ نجاحهم مبنيًا على المال لا الكفاءة، وعلى العلاقات لا الاستحقاق.
صحيح أن القضاء سلطة دستورية مستقلة، لكن الاستقلال لا يعني الإعفاء من المحاسبة، بل يفرض الالتزام بمعايير أكثر صرامة في النزاهة والكفاءة. فإذا ثبت أن هناك من تسلل إلى هذا السلك النبيل عبر شهادات مزورة أو مشبوهة، فإننا لا نكون أمام فساد إداري عادي، بل أمام انهيار أخلاقي مؤسساتي يجب التصدي له بكل حزم، حفاظًا على ما تبقى من الثقة في مؤسسة العدالة.
القضاء ليس مجرد جهاز داخلي يفصل في النزاعات، بل واجهة الدولة التي من خلالها تُقاس جديتها في احترام القانون والمؤسسات. وأي خلل في بنيته – خصوصًا إذا تعلق بفساد الشهادات والتوظيف – ستكون له ارتدادات على سمعة المغرب دولياً، سواء في مجال التعاون القضائي أو في ثقة المستثمرين والشركاء الدوليين، لأن صورة الدولة ستصبح على المحك، ولا مجال للتهاون أو التعتيم.
وإذا كانت الجامعة قد أصبحت سوقًا سوداء للماستر والدكتوراه، فإن الحل لا يكمن فقط في محاسبة البائعين، بل في تتبع المشترين كذلك، خصوصاً من تسللوا إلى الإدارات ومناصب القرار عبر بوابة الغش. لا أحد يجب أن يكون فوق القانون، ولا مؤسسة يجب أن تظل بعيدة عن التفتيش. التحقيق يجب أن يستمر حتى النهاية، وإلا فإننا نمنح الفساد تأشيرة جديدة ليتجذر، ونفرغ كل خطاب إصلاحي من مضمونه.
كل يوم تأخير في الحسم في هذا الملف، هو يوم إضافي في عمر فساد يلتهم ما تبقى من الثقة في الدولة. الجامعة ليست مجرد مؤسسة تعليمية، بل عمق استراتيجي لأي مشروع تنموي. وإن لم تُحمَ من الداخل، فلن تنتج سوى مزيد من الرداءة، وسنستفيق يومًا لنجد أن من يُديرون مفاصل البلد هم نتاج شهادة بلا مضمون، ومنظومة بلا ضمير.