في زمن تحوّلت فيه الكاميرات إلى شاهد دائم على تفاصيل حياتنا اليومية، تطفو على السطح إشكالية لا يمكن تجاهلها: كيف نوازن بين الحاجة إلى الأمن، والحق في الخصوصية؟ سؤال أعادت اللجنة الوطنية لمراقبة حماية المعطيات ذات الطابع الشخصي (CNDP) طرحه بقوة في بلاغها الصادر يوم 21 مارس 2025، في ظل تصاعد وتيرة تثبيت كاميرات المراقبة في الشوارع، المؤسسات، بل وحتى المرافق الخاصة.
البلاغ لم يكتف برصد الظاهرة، بل دق ناقوس الخطر حول غياب توازن واضح بين الأهداف الأمنية المشروعة لهذا النوع من المراقبة، وبين ما يكفله الدستور من حقوق فردية، على رأسها حماية الحياة الخاصة. نعم، الكاميرات قد تمنع جريمة أو تساعد في حل لغز، لكنها قد تتحول في غياب الضوابط إلى أداة تجسس، تقتحم تفاصيل لا أحد يريد مشاركتها.
الخطير في الأمر، كما أشارت اللجنة، هو لجوء بعض الجهات إلى تثبيت هذه الأجهزة دون إذن قانوني، أو حتى إشعار مسبق. وهذا ما يجعل المواطن يعيش تحت عين غير مرئية، لا يعلم متى تسجله، ولأي غرض. من هنا، دعت اللجنة إلى ضرورة التقييم المستمر لكل عملية مراقبة، مع احترام كرامة الأفراد وثقة المواطنين في المؤسسات.
لكن في خضم هذا النقاش، لا بد أن نستلهم دروس التجارب الدولية، وعلى رأسها التجربة الصينية، حيث أصبح المواطن يعيش في واقع يشبه السجن المفتوح، تُراقب فيه تحركاته، سلوكياته، بل وحتى ميوله الشخصية، تحت ذريعة الحفاظ على النظام. تجربة ينبغي أن نتفاداها بكل حزم، حتى لا تتحول مجتمعاتنا إلى فضاءات خالية من الحرية، مسيّجة بكاميرات وعيون لا تنام.
فالرسالة إذن لا تحتمل التأويل: لا أمن يُبنى على أنقاض الحرية، ولا تكنولوجيا ينبغي أن تتحوّل إلى سيدة على الإنسان بدل أن تكون في خدمته. ما نحتاجه اليوم هو حوكمة رشيدة، قادرة على تحقيق التوازن بين متطلبات حماية المجتمع وضمان الحقوق الأساسية لكل فرد.