يشهد قطاع الصحة في بلدان الساحل تحولاً غير مسبوق مع توسع استعمال الطب عن بعد واعتماد الطائرات الطبية المسيّرة في إيصال العلاجات والمستلزمات إلى المناطق المعزولة. ففي بيئة تتسم بانعدام الأمن وتشتت القرى وندرة الأطباء، أصبحت هذه التكنولوجيا أداة استراتيجية لسد فجوة الوصول إلى الخدمات الصحية الأساسية.
في النيجر، تم في يونيو 2025 إطلاق ممر جوي طبي يمتد على مسافة 680 كيلومتراً بين نيامي وتيلابيري. وخلال ستة أشهر فقط، تمكنت الطائرات المسيّرة من إيصال أكثر من ألفي طقم إسعاف عاجل، شملت لقاحات، وأكياس دم، ومضادات حيوية، وكواشف مخبرية، واختبارات تشخيص سريعة. وتتيح هذه الطائرات، التي يصل مدى طيرانها إلى 400 كيلومتر بشكل مستقل، تقليص مدة التوصيل من يومين إلى أقل من ست ساعات.
أما في مالي، فيجري المستشفى الجهوي بموبتي تجربة ربط عشرة مراكز صحية مجتمعية بمنصة للاستشارات الطبية المباشرة. ويستطيع الطبيب المتخصص في باماكو الإشراف على التشخيص الذي يجريه الممرض المحلي، بينما تتكفل الطائرات المسيّرة بنقل العينات وتحليلها في وقت قياسي.
وفي بوركينا فاسو، يجري تنفيذ شراكة بين القطاعين العام والخاص لإقامة شبكة تضم 120 محطة لشحن الطائرات الطبية المسيّرة، مدمجة مع منظومة لرصد المتغيرات المناخية بهدف التنبؤ بالمناطق التي يصعب الوصول إليها خلال موسم الأمطار.
هذه الثورة الصحية، التي حظيت بإشادة منظمة الصحة العالمية، تواجه رغم ذلك تحديات جدية، من بينها غياب إطار تنظيمي للطيران، ومخاطر الاختراق الإلكتروني، وارتفاع تكاليف الصيانة، والاعتماد الكبير على بطاريات ليثيوم مستوردة، إضافة إلى تهديدات محتملة لاعتراض الطائرات في مناطق غير مستقرة.
ويبقى السؤال المطروح اليوم: هل ستنجح خدمة الطب عن بعد عبر الطائرات المسيّرة في ترسيخ نفسها كمعيار صحي جديد في منطقة الساحل، أم ستظل تجربة مبتكرة لكنها هشة تعتمد على التمويل الدولي والاستقرار الأمني لضمان استمراريتها ؟