الصين تراهن على الطاقة الخضراء لقيادة نهضة إفريقية مستدامة

تسعى الصين إلى تعزيز شراكتها مع القارة الإفريقية عبر دعم ما تصفه بـ”التنمية الخضراء”، معتبرة أن مستقبل الحداثة العالمية مرتبط بقدرة الدول على الانتقال نحو الطاقات النظيفة. ومن خلال ما تسميه “الثلاثي التكنولوجي” المكوّن من الألواح الشمسية والبطاريات الليثيوم-أيون والسيارات الكهربائية، تطرح بكين نفسها كقوة رائدة قادرة على تمكين إفريقيا من ولوج عصر جديد للطاقة المتجددة. ويأتي ذلك في وقت حققت فيه الصين إنجازًا غير مسبوق داخل حدودها، بعدما تجاوزت قدراتها المركبة من الطاقة الشمسية والرياح للمرة الأولى قدرة محطاتها الحرارية التقليدية.

تؤكد الأرقام الأخيرة أن الصين باتت في صدارة الدول المنتجة للطاقة النظيفة عالميًا، حيث تمثل وحدها 47% من القدرة العالمية في الطاقة الشمسية و46% في طاقة الرياح، فيما تنتج أكثر من 31% من إجمالي الكهرباء المتجددة في العالم. هذا التفوق، المدعوم بقدرة صناعية هائلة وانخفاض كبير في تكاليف الإنتاج، جعل منتجاتها تغزو الأسواق الأوروبية والأمريكية والآسيوية على حد سواء. ووفقًا لتقارير دولية، باتت بكين تتحكم في معظم سلاسل القيمة الخاصة بالطاقة الشمسية والبطاريات، ما يعزز مكانتها في “سباق التفوق الأخضر”.

على المستوى الإفريقي، حددت الصين استراتيجيتها خلال منتدى التعاون الصيني-الإفريقي (FOCAC) الذي انعقد في بكين عام 2024، حيث تعهد الرئيس شي جين بينغ بتمويل مشروعات بقيمة 51 مليار دولار على مدى ثلاث سنوات لدعم التنمية المستدامة في القارة. وتشمل الخطة إطلاق 30 مشروعًا للطاقة النظيفة، وإقامة نظم للإنذار المبكر من الكوارث، وتطوير برامج للحفاظ على التنوع البيولوجي، فضلًا عن التعاون في التكنولوجيا النووية السلمية والاستشعار عن بُعد. هذه المبادرات تأتي منسجمة مع “أجندة 2063” التي وضعتها الاتحاد الإفريقي كخارطة طريق للتنمية طويلة الأمد.

وقد بدأت أولى النتائج تترجم على الأرض، حيث تشارك الشركات الصينية في مشاريع إفريقية تفوق قيمتها 3 مليارات دولار، إضافة إلى إنشاء صندوق خاص للاستثمار في التصنيع الأخضر. ومن أبرز الأمثلة مشروع محطة “ريدستون” للطاقة الشمسية الحرارية في جنوب إفريقيا، وبناء أكبر محطة للطاقة الشمسية في ناميبيا بطاقة 100 ميغاوات، فضلًا عن مبادرات محلية في مالي مثل إنارة القرى وتوفير أنظمة مياه شرب تعمل بالطاقة الشمسية. هذه النماذج تُظهر قدرة الصين على المزج بين المشاريع العملاقة والتحركات “الصغيرة والجميلة” التي تمس حياة السكان بشكل مباشر.

هذا التوجه الجديد يعكس إدراك بكين لأهمية التكيف مع خصوصيات كل بلد إفريقي، بحيث لا تقتصر التنمية على البنية التحتية الضخمة بل تمتد لتشمل تحسين الحياة اليومية عبر الكهرباء والمياه والتعليم والصحة. وبينما تستثمر الصين في بناء أبراج ومجمعات طاقة عملاقة، فإنها تدرك أن المستقبل يكمن أيضًا في المشاريع المجتمعية ذات الأثر المباشر. وبذلك، ترسم الصين ملامح شراكة جديدة مع إفريقيا، تجعل من الطاقة المتجددة ليس فقط وسيلة للتنمية، بل ركيزة لنهضة قارية أكثر عدلًا واستدامة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

المنشور السابق

الأمم المتحدة تشيد بالمساعدات الإنسانية العاجلة التي أمر بها الملك محمد السادس

المنشور التالي

الأمم المتحدة: إسرائيل تمنع إدخال الخيام إلى غزة منذ خمسة أشهر

المقالات ذات الصلة