تتواصل المواجهات العسكرية العنيفة بين إسرائيل وإيران لليلة الخامسة على التوالي، وسط تصعيد غير مسبوق يهدد بانفجار حرب إقليمية شاملة. ورغم التحذيرات الدولية والدعوات المتكررة لضبط النفس، لا تظهر أي من العاصمتين بوادر للتهدئة، خصوصا منذ بدء الهجوم الإسرائيلي المكثف على إيران يوم الجمعة الماضي، تحت ذريعة منع طهران من امتلاك سلاح نووي. وفي تطور لافت، استهدفت الطائرات الإسرائيلية منشآت حيوية في قلب العاصمة الإيرانية، آخرها مبنى التلفزيون الوطني الذي توقف بثه لفترة قصيرة إثر تعرضه للقصف.
وتزامنا مع تصاعد وتيرة الهجمات، أعلنت عدة دول عن بدء عمليات إجلاء عاجلة لرعاياها من كل من إيران وإسرائيل، تفاديا لمخاطر الانفجار الكبير. ودعت الصين بدورها مواطنيها لمغادرة إسرائيل عبر المعابر البرية إلى الأردن، فيما نظمت ألمانيا وبولندا وسلوفاكيا رحلات خاصة انطلاقا من عمان وقبرص. أما روسيا فقد نقلت أكثر من 300 من رعاياها وعائلات دبلوماسييها من إيران إلى أذربيجان، بينما بدلت حاملة الطائرات الأميركية “نيميتز” مسارها من بحر الصين الجنوبي إلى الشرق الأوسط، في إشارة واضحة إلى تصاعد الاستعدادات العسكرية الأميركية في المنطقة.
وعلى الأرض، أعلن الحرس الثوري الإيراني تنفيذ “الدفعة التاسعة من الهجمات المركبة” بالصواريخ والطائرات المسيرة، مؤكدا استمرار العمليات حتى الفجر ردا على الغارات الإسرائيلية. وفي المقابل، أطلق الجيش الإسرائيلي صافرات الإنذار مرارا خلال الليل، وخصوصا في شمال البلاد، قبل أن يعلن زوال الخطر. وقد ارتفعت حصيلة القتلى إلى 24 شخصا في إسرائيل مقابل أكثر من 220 في إيران، بينهم ثلاثة موظفين في الهلال الأحمر قتلوا أثناء ضربة على طهران.
وفي خضم هذا التصعيد، شهدت طهران موجات نزوح غير مسبوقة، خاصة بعد تحذير مباشر من الرئيس الأميركي دونالد ترامب الذي قطع مشاركته في قمة مجموعة السبع ودعا إلى “إخلاء طهران فورا”. دعوة اعتبرها مراقبون مؤشرا على إمكانية توسع الضربات الإسرائيلية. وعبر وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي عن إحباط بلاده من الموقف الدولي، معتبرا أن الولايات المتحدة “قادرة على إيقاف الضربات الإسرائيلية بمجرد مكالمة هاتفية”. كما أشار إلى أن الهجمات الأخيرة وجهت ضربة قوية لجهود التفاوض النووي، والتي كانت على وشك أن تستأنف في سلطنة عمان قبل انهيارها المفاجئ بفعل التصعيد. وقد بدا واضحا أن إيران لم تعد ترى في قنوات الحوار فائدة في ظل استمرار الهجمات.
وفي حين أعلنت إسرائيل أنها نجحت في تدمير منشأة تخصيب اليورانيوم في نطنز، نفت الوكالة الدولية للطاقة الذرية وجود أدلة على ذلك حتى الآن, لكن الأكيد أن المواجهة الحالية، بحدتها غير المسبوقة وسرعة انتشارها، باتت تضع الشرق الأوسط على حافة انفجار شامل، في وقت تتكثف فيه الدعوات الدولية لتجنب استهداف المدنيين والحفاظ على ما تبقى من مسار دبلوماسي متداعٍ.