الجزائر بين القمع والتناقض: دبلوماسية الابتزاز

بقلم سامي ريشارد من باريس:

تشهد العلاقات الفرنسية الجزائرية توتراً متزايداً، انعكس بشكل واضح في قضيتي المؤثر الجزائري دوالمين والكاتب المعروف بوعلام صنصال. هاتان القضيتان كشفتا عن الوجه القمعي والمزدوج للسلطات الجزائرية، التي تستخدم القانون والدبلوماسية كسلاح لترهيب معارضيها ومحاولة لفرض رؤيتها على الساحة الدولية.

دوالمين، واسمه الحقيقي بوعلام نعمان، شخصية مثيرة للجدل على تيك توك يتابعه آلاف المتابعين، دعا في مقطع مصور إلى الاعتداء على معارض للنظام الجزائري، وكان يسب ويشتم المغرب والمغاربة في كل فرصة، وهو ما تسبب له في حكم بالسجن مع وقف التنفيذ في فرنسا. السلطات الفرنسية قررت ترحيله، لكن المفاجأة جاءت من الجزائر التي رفضت استقباله على أراضيها، وأعادته فوراً إلى باريس، في خطوة تُظهر بوضوح مدى انتقائية النظام الجزائري: فهو يحرّض على العنف في الخارج، لكنه يتنصل من مسؤولية أتباعه عند الحاجة، وكأن الدولة تتبرأ من أدواتها متى فقدت فائدتها السياسية.

وبعد محاولته الثانية للترحيل في 20 مارس، والتي أعادت الجزائر التعامل معها بالمماطلة، ظهر أن النظام الجزائري يراوغ ليس فقط مع فرنسا، بل مع القانون الدولي، ويتصرف وفق مزاج سياسي متقلب، ما زاد من الإحراج الدبلوماسي وعمّق الفجوة بين البلدين.

أما قضية بوعلام صنصال، الكاتب المعروف بمواقفه النقدية، فهي تمثل نموذجاً صارخاً لاضطهاد حرية الرأي في الجزائر. تم اعتقاله منذ نوفمبر 2024 وتوجيه تهم مفبركة له مثل “المساس بالوحدة الوطنية” و”الإخلال بالنظام العام”، لا لشيء سوى أنه عبّر عن رأي لا يتماشى مع الرواية الرسمية. محاكمته كانت شكلية، وسُجّل غياب شبه تام لأي ضمانات قانونية، بينما نُسبت إليه أقوال دون أدلة ملموسة. وصف محاميه الفرنسي ما حدث بأنه “محاكمة أشباح”، وهو توصيف دقيق لنظام يتفنن في سحق معارضيه باسم القانون.

المفارقة أن النظام الجزائري يدّعي أنه يواجه مؤامرات خارجية، بينما يعتقل كتّابه، ويرفض استلام مناصريه العنيفين، ويتصرف بوجهين في كل ملف. هذا التناقض المتواصل لا يُفهم إلا في سياق سعي الجزائر المستمر إلى تصدير أزماتها الداخلية وإخفاء ضعفها المؤسساتي خلف شعارات فارغة من قبيل “السيادة” و”الأمن القومي”.

لكن جوهر هذه الأزمة يتجاوز الأسماء والمواقف، ويكمن في عمق صراع سياسي يتعلق بالصحراء المغربية. الجزائر، التي لم تهضم حتى اليوم التقارب المتزايد بين فرنسا والمغرب، ترى في أي اعتراف بسيادة المغرب على أقاليمه الجنوبية تهديداً لخطابها التاريخي. هذا الرفض المرضي جعلها تدخل في سياسة انتقامية من فرنسا، عبر عرقلة التعاون الأمني، وإثارة ملفات سياسية كلما ضاقت بها السبل. فهي ترفض دعم المغرب في ملف الصحراء، لكنها لا تقدّم بديلاً سوى التوتر.

وفي النهاية، فإن ما نراه ليس دفاعاً عن مبدأ، بل عن نفوذ. الجزائر، التي تحاول فرض وصايتها على المنطقة، تعاني من عزلة سياسية وفشل دبلوماسي متزايد، تدفع ثمنه شعوبها أولاً، وتدفع ثمنه علاقاتها مع القوى الكبرى. ما لم تُراجع الجزائر خطابها العدواني وتكفّ عن تصدير فشلها الداخلي، ستبقى هذه العلاقات رهينة للابتزاز، ولن تعرف استقراراً حقيقيا أبداً.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

المنشور السابق

غارات إسرائيلية جديدة على جنوب لبنان وسط توتر متزايد

المنشور التالي

موائد إفطار الشرق الأوسط: المطبخ اللبناني في رمضان.. نكهات تقليدية تجمع العائلات

المقالات ذات الصلة