بقلم مراد بنبيهي، من دالاس:
تشهد الجالية المغربية في الولايات المتحدة تزايدًا مستمرًا، حيث بات المغاربة يشكلون جزءًا مهمًا من النسيج الاجتماعي في عدد من الولايات، أبرزها نيويورك، نيوجيرسي، كاليفورنيا، وتكساس. وبالرغم من بعد المسافة عن الوطن الأم، استطاع المغاربة تحقيق حضور قوي في مختلف المجالات، مستفيدين من مرونتهم الثقافية وقدرتهم على التأقلم السريع مع قوانين وأنظمة المجتمع الأمريكي. غير أن هذا الاندماج لا يخلو من تحديات تتطلب جهودًا مضاعفة لضمان التوفيق بين الحياة المهنية والاجتماعية والحفاظ على الهوية المغربية.
تُقدَّر الجالية المغربية في الولايات المتحدة بأكثر من 120,000 شخص، مع تسجيل ارتفاع ملحوظ في أعداد المهاجرين خلال السنوات الأخيرة، خاصة في صفوف الطلبة والمهنيين الشباب الباحثين عن فرص عمل في مجالات التكنولوجيا والطب والهندسة. ويشير تقرير صادر عن مراكز الهجرة الأمريكية إلى أن المغاربة يتمتعون بمستوى تعليمي مرتفع، حيث يحمل أكثر من 76% منهم شهادات جامعية، ما يساعدهم على الاندماج في السوق الأمريكية والمنافسة في القطاعات الحيوية. كما يُقدَّر متوسط دخل الأسر المغربية في الولايات المتحدة بحوالي 69,500 دولار سنويًا، ما يجعلهم ضمن الشرائح الأكثر استقرارًا اقتصاديًا بين الجاليات الإفريقية.
ورغم هذا النجاح، لا تزال بعض التحديات تواجه المغاربة في أمريكا، خاصة فيما يتعلق بإجراءات الهجرة، الضرائب، والنظام الصحي، وهي عقبات تتطلب دراية قانونية ومتابعة مستمرة لضمان الإقامة القانونية والاندماج السلس في المجتمع. كما أن التكيف مع نمط الحياة السريع والمتطلبات المهنية العالية يشكل ضغطًا على العديد من الأسر المغربية، التي تحاول تحقيق توازن بين التقدم المهني والحفاظ على قيمها العائلية والاجتماعية.
من ناحية أخرى، يُظهر المغاربة المقيمون في أمريكا ارتباطًا قويًا بجذورهم الثقافية، حيث تنتشر في مختلف الولايات المطاعم المغربية، المساجد، والمراكز الثقافية التي تسهم في تعزيز الروابط الاجتماعية بين أفراد الجالية. كما تحرص الجمعيات المغربية على تنظيم فعاليات ثقافية ودينية، مثل الاحتفال بشهر رمضان وعيد الأضحى، إلى جانب تقديم دروس في اللغة العربية والتربية الإسلامية للأطفال، لضمان استمرار الهوية المغربية عبر الأجيال الجديدة.
ورغم التحديات، تواصل الجالية المغربية في الولايات المتحدة تعزيز حضورها، مستفيدة من الفرص المتاحة في مجتمع متعدد الثقافات، مع الحفاظ على تقاليدها وهويتها. وبينما يسعى المغاربة في أمريكا إلى تحقيق طموحاتهم في بيئة تنافسية، يظل ارتباطهم بوطنهم الأم حاضرًا، سواء من خلال تحويلاتهم المالية التي تدعم الاقتصاد المغربي، أو عبر مبادرات تهدف إلى تعزيز التعاون بين المغرب وأفراد جاليته في الخارج.