في لحظة يعيش فيها المغرب انتصارا ديبلوماسيا غير مسبوق على كل المستويات، خرجت جبهة البوليساريو من سباتها الطويل ببيان باهت صادر من نيويورك يوم أمس، كمحاولة عبثية لإثبات وجود سياسي فقد معناه منذ زمن. هذا البيان ليس مبادرة كما يزعم أصحابه، بل اعتراف غير معلن بالهزيمة، صيغ بلغة ميتة تكرر الشعارات القديمة التي لم تعد تقنع حتى من يكتبونها.
فبعد أن أغلقت أغلب الدول أبوابها في وجه الوهم الانفصالي، وبعد أن كرست الأمم المتحدة وقراراتها واقع الحل السياسي الواقعي القائم على الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية، لم تجد الجبهة سوى التلويح بورقة “المقترح الموسع” لتوهم أن لديها ما تقدمه. لكن خلف هذا الغطاء الدبلوماسي المزعوم، لا يختبئ سوى ارتباك واضح وذعر من النجاحات المتتالية للمملكة في تثبيت مغربية الصحراء كحقيقة قانونية وسياسية غير قابلة للطعن.
البيان الذي وصف نفسه بأنه بادرة حسن نية لم يكن سوى محاولة بائسة لإعادة تدوير الوهم، بلغة تعكس فقدان البوصلة أكثر مما تعبر عن إرادة سياسية. فالجبهة تتحدث عن الاستفتاء وكأننا ما زلنا في سبعينيات القرن الماضي، متجاهلة أن العالم تغيّر وأن مفاهيم القانون الدولي لم تعد تحتمل مشاريع التقسيم والانفصال. وحدها عقول حبيسة المخيمات ما زالت تردد هذه الأسطوانة المشروخة، مدفوعة بأوامر من عواصم تستثمر في إطالة عمر النزاع لأنها لا تملك غيره ورقة ضغط في وجه المغرب.
كل من يعرف كواليس المشهد يدرك أن هذا البيان لم يخرج من تندوف، بل من غرف مغلقة حيث تُكتب البيانات بإملاءات خارجية، تُغلف بشعارات “حق تقرير المصير” لتخفي حقيقة المراد منها: التشويش على انتصارات المغرب وتغطية الإخفاقات المتتالية لمن يقف وراء البوليساريو منذ نصف قرن. فمن الجزائر التي فقدت وزنها السياسي الإقليمي إلى جماعات الضغط المأجورة في الخارج، الجميع يدرك أن رهانهم على هذا الكيان الفاقد للشرعية لم يعد مجديا.
وفي مقابل هذا الانهيار، يواصل المغرب مسيرته بثقة وهدوء، يبني في الصحراء ما يعجز خصومه عن بنائه في عواصمهم: الداخلة تتحول إلى بوابة إفريقيا، والعيون صارت نموذجا في التنمية والاستقرار. هذه هي السياسة الحقيقية: بناء وتنمية واستقرار، لا خطابات جوفاء تخرج من وراء المكاتب المكيفة باسم شعب محتجز ومحروم من حريته.
إن البوليساريو اليوم ليست سوى واجهة فارغة لمشروع إقليمي فشل في كل رهاناته، كيان يتغذى على المساعدات وعلى معاناة الأبرياء، ويتحرك كلما تحقق للمغرب نصر جديد. أما الحديث عن “حلول عادلة” و“حسن نية” فلا يعدو كونه غطاء لغويّا يائساً يخفي واقعاً مؤلماً: نهاية المشروع الانفصالي وانكشاف أكاذيبه أمام العالم.
لقد تجاوز المغرب اليوم مرحلة الدفاع، ولم يعد في موقع التبرير أو الرد. الصحراء مغربية بحكم التاريخ والجغرافيا والشرعية، والمجتمع الدولي بات مقتنعا بأن الحكم الذاتي هو الحل الواقعي الوحيد. كل ما عدا ذلك مجرد صدى باهت لخطاب منتهي الصلاحية يكرره من فقدوا القدرة على قراءة التحولات الجارية.