في زمن أصبحت فيه الحروب لا تُخاض فقط بالسلاح، بل بالمعلومة والبيانات، تلقت بلادنا صفعة سيبرانية جديدة كشفت هشاشة دفاعاتها الرقمية. الهجوم الجزائري الذي طال مؤسسات عمومية، وما سبقه من اختراق لوزارة الشغل، ليس مجرد عملية قرصنة عابرة، بل إعلان واضح بأن الساحة الرقمية تحوّلت إلى جبهة صراع مفتوحة، لا تعترف بالحدود.
المغرب، الذي أصبح في السنوات الأخيرة مرجعًا إقليميًا في مجال الأمن والاستخبارات، يبرع في تفكيك الشبكات الإرهابية وتجفيف منابع التهديدات التقليدية. غير أن هذا التفوق لم يُواكَب، للأسف، بإغلاق محكم لنوافذ الهجمات السيبرانية. فبينما كانت أعيننا مركّزة على التهديدات الواقعية، تسلّل الخطر من شاشاتنا، ومن خوادم لم تكن على قدر الرهان.
أكثر من نصف مليون شركة مغربية، بينها مؤسسات سيادية واستراتيجية، أصبحت بياناتها مكشوفة للعالم، ضمنها تفاصيل مالية ورواتب لمسؤولين رفيعي المستوى. تسريبات “JabaROOT” لم تترك مجالاً للشك: المغرب يواجه تحديًا سيبرانيًا حقيقيًا، والأمر يتجاوز الخطر التقني ليضرب في عمق الثقة بين المواطنين ومؤسساتهم.
هذه الهجمات تفضح ثغرات لا تُغتفر في البنية الرقمية الوطنية، وتُبرز الحاجة الملحة إلى استراتيجية أمن سيبراني شاملة، لا تكتفي برد الفعل، بل تضع حماية البيانات في صلب السيادة الوطنية. فكما نحمي حدودنا البرية والبحرية، علينا أن نحصّن حدودنا الرقمية.. قبل أن يُصبح الاختراق عادة لا استثناء.