منذ عقود، أثبتت إسرائيل للعالم أنها لا تلتزم بأي اتفاقات، ولا تحترم أي قرارات دولية، ولا تقيم وزنًا لأي هدنة أو تسوية. العدوان الأخير على غزة، الذي بدأ فجر الثلاثاء، هو دليل جديد على سياسة الاحتلال القائمة على الغدر والتنصل من العهود. وفي انتهاك صارخ لوقف إطلاق النار الذي دخل حيز التنفيذ في 19 يناير الماضي، شنت إسرائيل غارات عنيفة على القطاع، مستأنفة حرب الإبادة التي لم تتوقف يومًا، رغم المساعي الدولية لفرض التهدئة. هذا التصعيد، الذي جاء بشكل مباغت، لا يعكس فقط وحشية الاحتلال، بل يكشف أيضًا عن أجندة سياسية داخلية مرتبطة بأزمة حكومة بنيامين نتنياهو، التي تواجه ضغوطًا متزايدة على مختلف الأصعدة.
إسرائيل تدرك تمامًا أنها أمام فرصة ذهبية لمواصلة جرائمها، مستغلة حالة الشلل الدولي والعجز الأممي عن فرض أي عقوبات رادعة. فطوال 15 شهرًا من الجرائم الوحشية، نفذ الاحتلال عمليات قصف غير مسبوقة، ارتقى خلالها عشرات الآلاف من الشهداء، فضلًا عن تشريد الملايين، وتجويع السكان، وفرض حصار خانق جعل الحياة في غزة جحيمًا يوميًا. وبينما تتوالى الإدانات الحقوقية الدولية، وصلت الانتهاكات الإسرائيلية إلى ذروتها، ما دفع المحكمة الجنائية الدولية إلى إصدار أمر اعتقال بحق بنيامين نتنياهو، في خطوة تاريخية تعكس حجم الجرائم المرتكبة، والتي ترقى إلى مستوى جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية.
لكن، وكما جرت العادة، تراهن إسرائيل على الوقت والتواطؤ الدولي، فالإدانات وحدها لن توقف طائراتها عن قصف المدنيين. وما يجري في غزة اليوم ليس مجرد تصعيد عسكري، بل هو سياسة ممنهجة للقضاء على أي فرصة لحياة كريمة للفلسطينيين، عبر سياسة التجويع والتدمير الممنهج. ومع استمرار هذه الاعتداءات، يبدو أن إسرائيل تراهن على عاملين أساسيين: انشغال العالم بقضايا أخرى، ودعم غير مشروط من القوى الكبرى، ما يفتح الباب أمام المزيد من المجازر دون خوف من أي محاسبة حقيقية.
الرسالة التي تبعث بها إسرائيل للعالم اليوم من خلال عدوانها المتكرر على غزة واضحة: لا هدنة دائمة، ولا سلام ممكن، ولا التزام بأي اتفاقات.