في جلسة تشريعية بالغة الأهمية, سبقت المصادقة على مشروع القانون الجنائي, والتي دامت حوالي 8 ساعات، أبدت فرق الأغلبية بمجلس النواب دعما سياسيا وقانونيا واضحا لعبد اللطيف وهبي، وزير العدل، في مسعاه لإخراج مشروع القانون رقم 03.23 المتعلق بالمسطرة الجنائية. وجاء هذا الدعم صريحا من فرق التجمع الوطني للأحرار، الأصالة والمعاصرة، والفريق الاستقلالي للوحدة والتعادلية، معتبرين أن المشروع يمثل لحظة مفصلية في تحديث المنظومة القضائية المغربية، كما يجسد التزامات المغرب الدستورية والدولية في مجال الحقوق والحريات.
وخلال الجلسة, عبر فريق التجمع الوطني للأحرار، أمس الثلاثاء 20 ماي 2025, عن دعمه “غير المشروط” للمشروع، مستندا إلى القبول الحكومي لأكثر من 153 تعديلا داخل لجنة العدل والتشريع، وهو ما اعتبره دليلا على إرادة حقيقية في الإصلاح. وأكدت النائبة زينة إدحلي، باسم الفريق، أن المشروع يحقق توازنا دقيقا بين تعزيز الأمن ومكافحة الجريمة من جهة، وصون الحقوق الفردية وضمانات المحاكمة العادلة من جهة أخرى.
ومن جهته، شدد فريق الأصالة والمعاصرة على الطابع العميق لهذا الإصلاح، الذي وصفه النائب سعيد أتغلاست بأنه “تاريخي”، نظرا لما يحمله من دلالات دستورية وحقوقية. وأشاد الفاعل السياسي نفسه بقرار تصويت المغرب إيجابا لفائدة إيقاف تنفيذ عقوبة الإعدام أمام اللجنة الثالثة لمنظمة الأمم المتحدة، مسجلا أنه “قرار حكيم يندرج في إطار خيار الانفتاح الحقوقي المتدرج الذي سلكته المملكة المغربية” وأبرز كذلك أن المشروع يندرج ضمن رؤية استراتيجية لإعادة هيكلة المنظومة الجنائية، انسجاما مع التحولات المجتمعية العميقة التي يشهدها المغرب، بما في ذلك تصاعد السلوك الإجرامي وتحديات العصر الرقمي.
أما الفريق الإستقلالي فقد اعتبر بدوره أن التعديلات التي مست 420 مادة، وتغيير وتتميم 286 مادة، وإضافة 106 مواد، وتعويض 27 مادة، ونسخ 5 مواد، تعكس رغبة في مراجعة جذرية للمسطرة الجنائية.وأشاد النائب محمد ادموسى بما وصفه ب”الجرأة الحكومية” في التعاطي مع هذا الورش التشريعي، مؤكدا على أهمية المستجدات التي جاء بها المشروع، خصوصا ما يتعلق بحقوق الدفاع، تقليص الاعتقال الاحتياطي، واعتماد مقاربات أكثر إنسانية في تنفيذ العقوبات.
ويجمع نواب الأغلبية على أن المشروع يشكل تتويجا لمسار طويل من الإصلاحات الحقوقية، بدءا من تجربة الإنصاف والمصالحة، ومرورا بإقرار دستور 2011، وصولا إلى خطوات تشريعية تدريجية تهدف إلى تعزيز ثقافة القانون. وفي نفس السياق، أشاد بعض النواب بتصويت المغرب لصالح إيقاف تنفيذ عقوبة الإعدام في الأمم المتحدة، معتبرين أن ذلك ينسجم مع الروح الحقوقية للمشروع الجديد.
وفي ختام الجلسة، بدت معالم توافق واسع داخل الأغلبية على تسريع إخراج النص إلى حيز التنفيذ، معتبرين أن الرهان لم يعد فقط تقنيا أو تشريعيا، بل بات سياديا وأخلاقيا، ويعكس توجه الدولة نحو ترسيخ دولة الحق والمؤسسات. وكما قال نواب الأغلبية،مشروع القانون لا يكتفي بالتعديل، بل يعلن انخراطا صريحا في بناء عدالة جنائية مواكبة لزمن جديد.