أطفال الدار البيضاء يترافعون من أجل حماية حقوقهم في مائدة مستديرة تناقش مشروع الوكالة الوطنية لحماية الأطفال

في خطوة رائدة لتعزيز صوت الطفولة في النقاش العمومي، نظمت جمعية “بيتي” بشراكة مع المنظمة غير الحكومية الإسبانية “عايدة” ومؤسسة “كازال ديلس إنفانتس” يومه الإثنين 21 يوليوز 2025، مائدة مستديرة تفاعلية بمدينة الدار البيضاء، ضمن مشروع “رصيف”، الممول من طرف الاتحاد الأوروبي والوكالة الكتالونية للتعاون من أجل التنمية, بهدف تمكين الأطفال في وضعية هشاشة من آليات الترافع والمشاركة الفعلية في القضايا التي تمسهم.

وجاء هذا اللقاء ليتوج سلسلة من الأنشطة التكوينية والفنية التي انخرط فيها أطفال ينتمون إلى عدد من الجمعيات النشيطة في مجال حماية الطفولة، كما شكل أيضا منصة مهمة لتقديم آراء ومقترحات فاعلي المجتمع المدني وممثلي القطاعات الحكومية والهيئات المعنية بحماية الأطفال، من أجل المساهمة في بناء تصور تشاركي حول مشروع الوكالة الوطنية لحماية الطفولة (ANPE)، الذي ما زال في طور المصادقة البرلمانية.

وفي أجواء حماسية، قدم الأطفال المشاركون عروضا متنوعة مزجت بين المسرح والرقص والغناء، عبروا من خلالها عن همومهم وتطلعاتهم، مؤكدين أن الفن يمكن أن يكون أداة فعالة للترافع ووسيلة لإيصال الرسائل بشكل إبداعي.

وفي تصريحه لTHE PRESS أوضح جعفر الباز، مسؤول التكوين والخبرة والشراكات بجمعية “بيتي”، أن هذا النشاط يعد تتويجا لمسار طويل من العمل ضمن مشروع “رصيف”, الذي أطلق سنة 2019، قائلا : “نشاط اليوم ترافعي بالأساس، شارك فيه أطفال يمثلون جمعيات حماية الطفولة بمدينة الدار البيضاء، وحاولنا تشجيع الأطفال على التعبير عن آرائهم باستخدام أدوات فنية ترافعية كالمسرح والرقص والغناء، وذلك من أجل المطالبة بحماية حقوقهم، وفي الوقت نفسه فتح نقاش حول انتظاراتهم من مشروع الوكالة الوطنية لحماية الطفولة, الذي ما زلنا ننتظر صدوره في صيغته النهائية”.

وأكد الباز أن هذا الورش المشترك هو ثمرة تنسيق بين عدد من الجمعيات الفاعلة، مثل جمعية بيتي، جمعية حلقة وصل، جمعية القصبة، مؤسسة إدماج، جمعية الإسعاف الاجتماعي، جمعية شرق غرب، جمعية عدالة، ووحدة حماية الطفولة…، مشيرا إلى أن هذه الجمعيات التي تشكل لجنة حماية الطفولة تعقد اجتماعات شهرية لبحث سبل تفعيل السياسات العمومية الخاصة بالطفولة على أرض الواقع، والمساهمة في تموقع قوي للمجتمع المدني في هذا المجال الحيوي.

ومن جانبها، شددت آنا حبيبة ذهبي، خبيرة حماية الطفولة بمنظمة “عايدة” الإسبانية، على أهمية هذا النوع من المشاريع، مؤكدة أن حماية الطفولة لا تقتصر فقط على الدعم المؤسسي بل تستوجب الإصغاء الحقيقي للأطفال أنفسهم.حيث قالت: “نحن نشتغل في المغرب منذ أكثر من عشرين سنة، ونعمل على حماية الأطفال في وضعية هشاشة وهجرة، كما نشتغل على ملف العنف ضد النساء أيضا. ومشروع ‘رصيف’ يركز على تقوية الروابط الأسرية وتفادي انفصال الطفل عن محيطه من خلال مجموعة من المبادرات منها بحملات تحسيسية وأهم من ذلك; الإصغاء لحاجيات الأطفال من أفواههم”.

وأضافت المتحدثة نفسها في تصريحها لموقعنا : “الوكالة الوطنية لحماية الطفولة مشروع مهم جدا، لأنه يمكن أن يشكل آلية تنسيق فعالة بين الدولة والمجتمع المدني. وما نأمله هو أن تترجم هذه الوكالة إلى واقع عملي، لا أن تبقى حبرا على ورق، لأننا نعاني فعلا من إشكالات في التطبيق، وهي ما يمنعنا من التقدم الفعلي في هذا الورش الحيوي”.

وجاءت أكثر اللحظات تأثيرا في اللقاء من الأطفال أنفسهم. فقد اختارت الطفلة (ج.د)، البالغة من العمر 12 سنة والتابعة لجمعية “بيتي”، أن تعبر عن موقفها من العنف من خلال عرض مسرحي بعنوان “الصمت ليس حلا”، قدمته رفقة زميلاتها.

وقالت الطفلة عينها في تصريحها لTHE PRESS: “قدمنا اليوم مسرحية حول العنف لكي نوصل صوت من لا صوت له ومن يخضع للعنف. أردنا أن نظهر أن الصمت ليس حلا، وأن العنف ليس وسيلة للتفاهم. كما أننا أحيانا نجد التمييز بين الجنسين حتى في المقررات الدراسية، من خلال عبارة تبدو بسيطة وبريئة: ‘ذهب أحمد للعب بينما بقيت أخته تغسل الأواني في البيت’. هذا تهميش يجب أن يتغير”.فالمسرحية إدا حملت رسائل مباشرة ضد العنف والتهميش، ووجهت نقدا للمفاهيم المتوارثة التي تشرع العنف داخل الأسرة أو تكرس الصور النمطية في المجتمع.

وشكلت إذا هذه المائدة المستديرة لحظة نوعية في مسار الترافع المدني من أجل حقوق الأطفال، ليس فقط لأنها أتاحت للأطفال فرصة التعبير عن أنفسهم، بل لأنها دفعت أيضا نحو نقاش جاد بشأن الآليات المؤسساتية الكفيلة بحمايتهم، وفي مقدمتها الوكالة الوطنية لحماية الطفولة (ANPE) التي يرتقب أن تصادق عليها المؤسسات التشريعية قريبا.

وما ميز هذا اللقاء، أنه لم يبن على خطابات نظرية أو أوراق رسمية فقط، بل استمد شرعيته من أصوات الأطفال أنفسهم، من خشبة المسرح، من الرقص، من الغناء ومن الصراحة الطفولية النقية التي قالت بوضوح: نحن هنا… ونريد أن نسمع.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

المنشور السابق

المغرب في مرتبة متأخرة عالميا بمؤشر التوازن بين العمل والحياة

المقالات ذات الصلة