في تطور جديد يعكس حجم التوتر المتصاعد بين الجزائر وفرنسا، أبلغت السلطات الجزائرية السفير الفرنسي بالجزائر، ستيفان روماتي، أنها تعتزم طرد عدد من الدبلوماسيين الفرنسيين العاملين في السفارة الفرنسية بالجزائر خلال الأيام القليلة المقبلة. هذا القرار جاء كرد فعل رسمي على سجن موظف قنصلي تابع للدولة الجزائرية في فرنسا، بعد توجيه اتهامات خطيرة إليه في القضية المعروفة إعلاميًا باسم “أمير دي زاد”.
وتعود فصول هذه القضية إلى عام مضى، حين تم اختطاف المدون والناشط الجزائري المعروف، أمير بوشيخي، الشهير باسم “أمير دي زاد”، في ضواحي باريس. وبعد تحقيقات مكثفة قادها الادعاء الوطني الفرنسي لمكافحة الإرهاب (PNAT)، تم توجيه التهم يوم 12 أبريل 2025 إلى ثلاثة أفراد، من بينهم موظف رسمي يعمل في القنصلية الجزائرية بكريتاي – باريس. الاتهامات شملت “تكوين عصابة أشرار على صلة بتنظيم إرهابي”، و”الاختطاف والاحتجاز المرتبط بأعمال إرهابية”، وهي تهم خطيرة تُظهر أن ما جرى لم يكن مجرد تجاوز فردي، بل عملية ممنهجة تورطت فيها أطراف رسمية جزائرية.
وفي وقت تنتظر فيه العدالة الفرنسية استكمال التحقيقات في هذا الملف الشائك، لم تجد السلطات الجزائرية ردًا أنسب من التهديد بطرد دبلوماسيين فرنسيين، في خطوة لا تعبّر إلا عن نية واضحة للتصعيد، بدل الاعتراف بأي مسؤولية أو حتى التعاون في كشف الحقيقة. بل على العكس، لجأت الجزائر إلى خطاب عدائي ورفضت علنًا محاسبة أحد موظفيها المتورطين في قضية تمس السيادة الفرنسية وسلامة لاجئ سياسي على أراضيها.
وما يزيد من خطورة الملف هو تأكيد المحامي الفرنسي إيريك بلوفييه، الممثل القانوني لأمير دي زاد، أن ما حصل هو “عمل عنيف من قبل دولة أجنبية على الأراضي الفرنسية باستخدام التخويف والإرهاب، ويمس بحياة شخص تحت الحماية القانونية”. كما كشفت التحقيقات أن شخصًا ثانيًا على صلة مباشرة بالعملية يوجد حاليًا في الجزائر، فارًّا من العدالة، وهو ما يعكس غياب أي رغبة لدى السلطات الجزائرية في تسليم المشتبه بهم أو التعاون القضائي مع باريس.
هذه القضية تكشف مرة أخرى الوجه القمعي لنظام الجزائر، الذي لا يتورع عن ملاحقة معارضيه خارج الحدود، ولا يتردد في انتهاك الأعراف الدبلوماسية والقوانين الدولية. بدل أن تقف الجزائر في صف العدالة، تصر على تبني أسلوب الانتقام الدبلوماسي والتستر على المتورطين، في موقف لا يشرف أي دولة تحترم نفسها أو تحترم القانون الدولي.