من صور الطفولة البريئة إلى خوارزميات المراقبة الخفية، هكذا نسلم وجوهنا طوعًا للذكاء الاصطناعي. في الظاهر مجرد لعبة مسلية، صور “قبل وبعد” يتشاركها الناس عبر وسائل التواصل الاجتماعي، نضحك ونتباهى ونستسلم لدفء الذكريات. لكن خلف هذا المشهد البريء تختبئ حقيقة صادمة: نحن نمنح على طبق من ذهب بيانات بيومترية لا تقدّر بثمن.
حين تُجمع ملايين الوجوه من الطفولة حتى الشيخوخة في خوادم شركات عملاقة أو مختبرات غامضة، تصبح النتيجة أوضح من أن تُخفى. أنظمة ذكاء اصطناعي تملك القدرة على قراءة وجوهنا، التنبؤ بمظهرنا المستقبلي، والتعرف علينا في أي مكان وزمان، حتى وسط الزحام أو خلف محاولات واهية لإخفاء الهوية.
هذا الخطر لم يعد افتراضًا نظريًا. في عالم تتسابق فيه الدول والشركات على أدوات السيطرة، يصبح الوجه جواز سفر لا تنتهي صلاحيته، وتتحول صور “الترند” إلى اللبنات الأولى لمنظومة مراقبة أكثر شمولًا وقوة من أي وقت مضى.
المأساة الحقيقية أن الأمر لا يُفرض علينا بالقوة، بل نشارك فيه بإرادتنا. نضحك، نضغط على زر “نشر”، ونمنح الخصوصية بالمجان.
السؤال الذي يفرض نفسه: متى نفهم أن الخصوصية ليست لعبة؟ ومتى نتوقف عن تحويل ذكرياتنا ووجوهنا إلى وقود مجاني لآلة مراقبة تتغذى على براءتنا؟