بقلم د محمد شقير
تتميز ظاهرة الهجرة بالمغرب بأنها ظاهرة حديثة ومتطورة . إذ أن هجرة المغاربة خاصة إلى الدول الأوربية ارتبطت بحقبة ما بعد الاستقلال حيث كانت هذه الدول خاصة فرنسا في حاجة لليد العاملة المغربية لاعادة بناء منظومتها الاقتصادية وبنياتها التحتية التي دمرتها الحرب العالمية الثانية واستنزفها الاحتلال الألماني. فتتابعت هجرات العمال المغاربة إلى فرنسا على اعتبار أنها هجرة مؤقتة ليتم بعد ذلك الاستقرار بهذه الدولة ودول كبلجيكا وهولندا وألمانيا وبريطانيا .
غير أنه بعد عقود الستينيات وسبعينيات وثمانينيات القرن 20 ، لم تعد الهجرة المغربية مقتصرة على دول أوربا ،بل توسعت لتشمل مختلف بلدان باقي العالم . الشيء الذي انعكس من خلال اختلاف التسميات التي أصبحت تطلق على المهاجرين المغاربة من قبيل الجالية المغربية، والعمال المغاربة بالخارج، والمهاجرون المغاربة، والمغاربة المقيمون بالخارج…الخ. وما فتئ هذا القاموس اللغوي يتنامى إلى أن أضيفت إليه تسمية جديدة، فيما يشبه البديل الاصطلاحي، ألا وهي مغاربة العالم. هذه التسمية التي تبدو، مقارنة بسابقاتها، على قدر كبير من الشمولية والدقة في الدلالة، نجدها اليوم ذائعة بالأساس في الخطاب الرسمي والإعلامي، وكذا في بعض الكتابات التي تعنى بشؤون الهجرة. أما على مستوى الاستعمال الشعبي فهناك أوصاف عديدة متداولة في أوساط العامة، لعل أكثرها جريانا على الألسنة كلمة “الزماكريا”. في تحوير لفظي للكلمة الفرنسية les immigres.
-مغاربة العالم والانتماء السياسي المشترك
إن الانتساب إلى الجذور المغربية هو القاسم المشترك بين مغاربة العالم. لكن هذا لا يمنع من وجود عدة وجوه للاختلاف بين مختلف شرائحهم . حيث يختلف مغاربة العالم من حيث المناطق التي ينحدرون منها، هذه المناطق التي تكاد تغطي مختلف ربوع الوطن من طنجة إلى الكويرة؛ علما بأن بعض المناطق معروفة بالهجرة الخارجية، كمنطقة الريف. وذلك لأسباب يتداخل فيها التاريخي والجغرافي والسياسي والاقتصادي.إذ بعد أحداث تمرد منطقة الريف في سنة 1958، تساهلت السلطة المركزية في توفير سبل الهجرة لساكنة هذه المنطقة طلبا للعمل والاستقرار خاصة بهولندا وبلجيكا. كما شهدت مدن فرنسا توافد عمال مغاربة من مناطق قروية بسوس خاصة ، لتتبعها هجرة من مناطق الجنوب الشرقي بورزازات وطاطا وزاكورة التي جلبت للعمل في بعض مناجم استخراج الفحم الفرنسية …
وهكذا انتشر مغاربة العالم في مناطق مختلفة من العالم؛ حيث نجدهم متفرقين في القارات الخمس بنسب شديدة التباين؛ غير أنهم يتمركزون في القارة الأوربية، وفي دول محددة كفرنسا وإسبانيا وإيطاليا وألمانيا وبلجيكا وهولندا، وكلما تقوت موجات الهجرة كلما تجاوزت نطاق الوجهات الكلاسيكية، لتمتد إلى وجهات جديدة لم تطأ أراضيها أقدام الأجيال السابقة. فالهجرة إلى القارة الامريكية خاصة أمريكا الشمالية كانت خلال السبعينات من القرن الماضي مع تدفق الآلاف من المغاربة إلى الولايات المتحدة الأمريكية وكندا عن طريق القرعة الاعتباطية أو ملف الهجرة الكندي. حيث استقطبت هذه الهجرة خيرة شباب المغرب التي فضلت السفر من أجل الدراسة أو الاستقرار في بعض المدن الأمريكية خاصة نيويورك وواشطن وميامي أو المدن الكندية خاصة الكيبك بحكم عامل اللغة .
وبسبب الفورة النفطية ، توافدت فئات من الشباب المغربي على دول الخليج خاصة السعودية والامارات وقطر طلبا للعمل في مهن مختلفة بما فيها الحرف والعمل بالمنازل وكذا الاعلام والفندقة. لتعرف الهجرة المغربية في السنين الأخيرة توافدا على بعض العواصم الافريقية للعمل في التجارة والمطعمة خاصة بدول غرب افريقيا التي شهدت هجرة التجار الفاسيين منذ بداية ستينيات القرن الماضي .وعلى الرغم من تباين أوضاع المغاربة في العالم:سواء فيما يتعلق بوضعية الإقامة التي تختلف بين من يقيم في بلدان الاستقبال بطريقة قانونية أو من يقيم بطريقة غير نظامية في انتظار البت في تسوية وضعيته، أو اختلاف الحالة الاقتصادية والاجتماعية بين من يزاولون مهنا مكسبة تحقق لهم الكفاف والعيش الكريم، ومنهم من تجاوزوا ذلك إلى الرفاهية، والادخار، والاستثمار، أو من يعيش في وضعية بطالة، أو ما يتعلق بمستوى الاندماج بين من تمكنوا من الاندماج في المجتمعات المهاجر إليها، واستطاع أن يشغل مناصب عليا و مراكز هامة في تحمل المسؤولية، وبين من يعانون من صعوبات في الاندماج… ،
فتبقى آصرة الانتماء إلى الوطن الأم هي اللحمة التي تؤلف بينهم من جهة، وبين مغاربة الداخل من جهة أخرى. ولعل من بين مظاهر الحفاظ على مظاهر هذه الآصرة هو أن المغاربة المتفرقين في بلدان الاستقبال يحافظون على ما يشكل شخصيتهم الوطنية ويجسد ثقافتهم المحلية، هذه الثقافة التي نقلوها معهم أو توارثوها من جيل إلى جيل عبر التنشئة الاجتماعية، فتراهم يتحدثون في بيوتهم ومع إخوانهم المغاربة لغتهم الأصلية، ويمارسون شعائرهم الدينية، وطقوسهم الاحتفالية، ويستمسكون بعاداتهم وتقاليدهم. بالإضافة ـإلى استعمال وسائل الإعلام والاتصال لمتابعة ما تقدمه القنوات التلفزيونية الوطنية من مواد وبرامج متنوعة: إخبارية، وتثقيفية، وترفيهية. كما يتم ذلك عبر ما تتيحه وسائط الاتصال الحديثة من تطبيقات تسمح بالتواصل الفوري الحي بالصوت والصورة. ـكما أن العروض الفنية والمعارض الثقافية وما إلى ذلك من الأنشطة ما زالت تلعب دورا أساسيا في تعزيز عرى التواصل مع المغرب بروافده الثقافية المتنوعة.
لكن تبقى زيارة الوطن من بين أهم ما يحافظ على هذا الانتماء المشترك للوطن الام . فمغاربة العالم خاصة بدول أوربا ينتظرون بفارغ الصبر، وبالغ الشوق العطل السنوية للعودة للوطن لزيارة الأهل والأقارب والأصدقاء، ولكن أيضا لقضاء المآرب الشخصية كتفقد الممتلكات، وصيانتها، وقضاء المصالح الإدارية. وقد دأب الإعلام الرسمي في كل موسم عبور على نقل انطباعات المهاجرين من الموانئ والمطارات وهم يحلون بأرض الوطن مشتاقين أو هم يغادرونها متأسفين، وتغلب على هذه الانطباعات عادة مشاعر الرضى والاستحسان والثناء، إلا أنه يحدث كثيرا أن يصطدم مغاربة العالم بمواقف يشعرون فيها بهضم حقوقهم، فلا يتحفظون حينئذ في التعبير عن سخطهم عاقدين تلك المقارنات المعروفة بين هناك وهنا.
– مغاربة العالم وآليات التاطير المؤسسي
يشكل عدد أفراد الجالية المغربية المقيمة في الخارج ما بين 5 و 6 مليون فرد، أي ما يعادل 10 و 15٪ من مجموع سكان المغرب . فقد شهدت هذه الفئة من المواطنين، التي أصبحت تعرف باسم “مغاربة العالم” (MDM) تطورا مطردا في وضعيتها، بحيث أصبحت تتميز اليوم بتنوع مناطق تمركزها في شتى بقاع العالم وتأنيث تشكيلتها، وذلك بفضل الاستراتيجيات الفردية للنساء، اللواتي أصبحن يمتلكن مستويات جد عالية من الكفاءة والتعليم. كما تتميز جالية مغاربة العالم (MDM) )بكونها تتشكل في معظمها من فئات الشباب (من حيث التصنيف الديموغرافي)، ويتمتع أفرادها بمهارات وكفاءات عالية في مختلف المجالات، فضلاً عن مساهمتهم المالية المعتبرة في الاقتصاد الوطني، بمتوسط سنوي قدره 10٪ من الناتج المحلي الإجمالي، بما يجعلها تتبوأ المرتبة الأولى في موارد الدولة المالية ، تفوق في بعض السنوات حتى المساعدات العمومية الخاصة بالتنمية والاستثمار الأجنبي المباشر.
وقد أثار هذا الدور الاقتصادي الحيوي لمغاربة العالم ، اهتمام السلطات السياسية لبلورة استراتيجيات وأطر مؤسسية متنوعة، الهدف منها تعبئة موارد ومهارات مغاربة العالم، ولا سيما المالية .وهكذا وضع النظام المتبع من قِبل السلطات، في متناول الجالية، شبكة من الوكالات المتواجدة في القنصليات والسفارات المغربية في البلدان التي يوجد فيها حضور قوي للمهاجرين من أصل مغربي. بالإضافة إلى الدفع بالابناك بما فيها البنك الشعبي الذي كان تابعا للدولة آنذاك إلى فتح فروعه بمختلف المدن الاوربية لاجتذاب أموال الجالية المغربية بالخارج. و مع نهاية الثمانينيات وخاصة بداية التسعينيات، عرف المشهد المؤسسي المكلف بالهجرة ولادة أول قسم وزاري للمغاربة المقيمين بالخارج وأنشئت مؤسسة الحسن الثاني للمغاربة المقيمين بالخارج MRE) )التي ركزت على الأبعاد الاجتماعية والثقافية لتعزيز روابط أفراد الجالية المغربية مع بلدهم الأصلي.
فقد ساهمت في التعريف بالمهاجرين المغاربة بصفتهم فاعلًا اقتصاديًا وأنشأت برامج خاصة للعناية بهم وتأطيرهم. وانطلاقاً من منتصف العقد الأول من القرن الحادي والعشرين ، شهد المغرب تسارعاً في عملية اهتمام الدولة بأفراد الجالية شكلاً ومضموناً. وقد حدثت هذه التطورات في سياق سياسي جديد تميز بحدثين رئيسيين: أولهما، وصول المعارضة السياسية لأول مرة منذ استقلال المغرب إلى الحكومة (1997-2002)؛ ومن بعد ذلك بعامين (1999)، اعتلاء الملك محمد السادس عرش المملكة. وهكذا فمن الناحية المؤسسية، شهد المغرب استعادة الحقيبة الوزارية الخاصة بالمغاربة المقيمين بالخارج (ابتداء من 2002)، وسن اليوم الوطني للمهاجرن، وإطلاق برنامج FINCOME) المنتدى الدولي للمهارات المغربية بالخارج (2003-2009).
وعلى المسار نفسه، نظّم المغرب في ديسمبر 2007 مؤتمراً تمخض عنه إنشاء شبكة الاستثمار المغربية واعتماد استراتيجية جديدة قائمة على ثلاثة مراكز اهتمام (التحويلات المالية، وتعبئة المهارات، والتنمية المشتركة بما في ذلك مساهمة منظمات المجتمع المدني) ووضع برنامج لاستقطاب المهارات المغربية. وفي خضم هذا الزخم المؤسسي، تأسس مجلس الجالية المغربية بالخارج الذي تكفل بمواكبة المواضيع الرئيسية التي تسمح بتسليط الضوء على قضية الهجرة وفهم تفاصيلها بشكل أفضل. لكن على الرغم من هذا الاطار المؤسسي الذي واكب إشراك أفراد الجالية في المجالات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والرياضية التي بدت نشطة، بفعل تحفيزات من هنا وهناك، إلا أن المشاركة السياسية العملية لمغاربة العالم بقيت لا تتناسب مع طموحاتهم في ظل غياب إطار مؤسسي واضح يتيح للجالية التمثيل الشرعي وتوفير مجال تدخل محدد المعالم .إذ بقيت الهياكل المكلفة بدور الوسيط بين المهاجرين وبلدهم الأصلي، عبارة عن هياكل جمعوية تشرف عليها السلطات المغربية على الجانبين، في البلد الأصلي وفي البلد المضيف.
وبالتالي فقد أوصى المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي ،لتفعيل دور هذه المؤسسات ، إناطة مهمة الإشراف على بلورة وحسن تنفيذ الاستراتيجية المتعلقة بمغاربة العالم بوزير مكلف بشؤون مغاربة العالم منتدب لدى وزارة الشؤون الخارجية والتعاون الإفريقي والمغاربة المقيمين في الخارج؛ و ضرورة الارتقاء بأدوار مؤسسة الحسن الثاني للمغاربة المقيمين بالخارج بجعلها مؤسسة عمومية استراتيجية خاصة بمغاربة العالم تشكل الذراع التنفيذي لتنزيل الاستراتيجية المشار إليها، وذلك بتنسيق مع مُختلِف الجهات الفاعلة والأطراف المعنية، مع وضع هذه المؤسسة تحت إشراف الوزير المنتدب المكلف بمغاربة العالم الذي يترأس مجلس إدارتها، وتخويلها الاختصاصات والموارد اللازمة للاضطلاع بمهامها على نحو أمثل. بالإضافة إلى الارتقاء باللجنة الوزارية لشؤون المغاربة المقيمين في الخارج وشؤون الهجرة إلى لجنة استراتيجية عليا، تابعة لرئيس الحكومة ومكلفة حصريا بقضايا مغاربة العالم.
–مغاربة العالم وإكراهات الاندماج السياسي
لتوسيع مشاركة مغاربة العالم في الحياة السياسية بالمغرب، نص دستور فاتح يوليوز 2011 في الفصل 16 بالتزام المغرب بحماية حقوق ومصالح أفراد الجالية المغربية من خلال إعادة التأكيد على إرادة البلاد في الحفاظ على الروابط الإنسانية لأفراد الجالية مع المملكة وتطوير هذه الروابط، وكذلك تعزيز مساهمتهم في تنمية المغرب. كما أقر الدستور أيضاً للمغاربة المقيمين في الخارج بحقوق المواطنة كاملة، بما فيها حق التصويت والترشيح في الانتخابات ، حيث أكد الفصل 17بالتزام السلطات العمومية بضمان أوسع مشاركة ممكنة للمغاربة المقيمين في الخارج في المؤسسات الاستشارية، وهيئات الحكامة الجيدة للبلاد. في حين كرس الفصل 163 الدور الأساسي لمجلس الجالية المغربية بالخارج من أجل إصدار آراء حول توجهات السياسات العامة المتعلقة بأفراد الجالية في الخارج.وقد أحدث هذا الاعتراف الدستوري ديناميكية حكومية، من حيث إنشاء برامج وإجراءات لصالح الجالية المغربية المقيمة بالخارج، وأدى إلى توسيع النطاق المحتمل لمشاركتها. لكن مع ذلك، بدا واضحاً، حتى يومنا هذا، مدى التناقض بين الاعتراف بالمشاركة السياسية من جهة والفشل في تحقيق هذا المبدأ من جهة أخرى.
–ضعف تمثيلية مغاربة العالم داخل الاحزاب
بعد هذا التكريس الدستوري لتوسيع مشاركة مغاربة العالم في الحياة السياسية ،بدأت تظهر بين الجالية المغربية لجن تحضيرية مغربية لأحزاب مغربية في الخارج للدفاع عن الحقوق الإجتماعية والسياسية لمغاربة الخارج، خاصة بعد خطابات عاهل البلاد الذي ركز على إشراك المواطنين ورعاياه الأوفياء بالخارج في تنمية البلاد والحفاظ على هويتهم المغربية ثقافيا ودينيا وتمتيعهم بالمواطنة الكاملة .
وعلى هذا الأساس أسست أحزاب سياسية بالخارج تنسيقيات، ومكاتب وفروع ( حزب الإستقلال، الإتحاد الاشتراكي ، العدالة والتنمية والأصالة والمعاصرة والتجمع الوطني للأحرار…إلخ) للتعريف وتأطير أعضائها بالخارج . إذ استطاعت هذه الأحزاب التوغل بين أفراد الجالية عن طريق النسيج الجمعوي المنظم بالخارج ، وتشكيل تنسيقيات لها ببلاد المهجر. فعلى سبيل المثال لا الحصر ، أسس حزب الأصالة والمعاصرة في أواخر سنة 2008 تنسيقيات تابعة له بفرنسا وايطاليا وهولندا وألمانيا ، وكذا تأسيس تنسيقية الدنمارك ، وتأسيس تنسيقية بالولايات المتحدة .
كما حرصت بعض هذه الأحزاب على الدفاع عن الحقوق السياسية للمغاربة بالخارج عن طريق المهرجانات الخطابية أو الزيارات المتكررة لبلدان الإقامة من طرف قيادات وزعامات حزبية. لكن على الرغم من كل ذلك فما زالت تمثيلية شرائح مغاربة العالم منعدمة في البرلمان بشكل أصبح لا يضاهي حتى التمثيلية الضعيفة التي كانت لها في عهد الملك الحسن الثاني. كما أن التشكيلات الحكومية لم تضم إلا نادرا كفاءات من الخارج ، على غرار وزيرة اقترحها حزب العدالة والتنمية عندما كان يتصدر الحكومة .
وبالتالي ، فقد أوصى المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي بضرورة تطوير مشاركة وتمثيلية مغاربة العالم في المؤسسات الاستشارية وهيئات الحكامة الجيدة التي يحدثها الدستور أو القانون؛ ووضع الترتيبات التنظيمية والتقنية، ولا سيما الرقمية منها، الكفيلة بتيسير التسجيل في اللوائح الانتخابية الوطنية والتصويت في الانتخابات التشريعية بالنسبة لمغاربة العالم.
-مغاربة العالم وتوسيع إسهامهم في التنمية الوطنية
إدراكا بأهمية إشراك مغاربة العالم في القفزة الاقتصادية النوعية التي يرغب المغرب في تحقيقها في السنوات المقبلة خاصة في إطار الاستعداد لتنظيم مونديال 2030 ، دعا الملك محمد السادس، في خطابه السامي بمناسبة الذكرى التاسعة والأربعين للمسيرة الخضراء إلى” إحداث تحول جديد، في مجال تدبير شؤون الجالية المغربية بالخارج. وذلك من خلال إعادة هيكلة المؤسسات المعنية بها، بما يضمن عدم تداخل الاختصاصات وتشتت الفاعلين، والتجاوب مع حاجياتها الجديدة.وذلك من خلال هيكلة الإطار المؤسساتي المدبر لشؤون الجالية، على أساس هيأتين رئيسيتين :
– الأولى، هي مجلس الجالية المغربية بالخارج، باعتباره مؤسسة دستورية مستقلة، يجب أن تقوم بدورها كاملا، كإطار للتفكير وتقديم الاقتراحات، وأن تعكس تمثيلية مختلف مكونات الجالية. وبهذا الخصوص، دعا إلى تسريع إخراج القانون الجديد للمجلس، في أفق تنصيبه في أقرب الآجال.
– أما الثانية، فهي إحداث هيئة خاصة تسمى “المؤسسة المحمدية للمغاربة المقيمين بالخارج”، والتي ستشكل الذراع التنفيذي، للسياسة العمومية في هذا المجال”، حيث أنه “سيتم تخويل المؤسسة الجديدة، مهمة تجميع الصلاحيات، المتفرقة حاليا بين العديد من الفاعلين، وتنسيق وإعداد الاستراتيجية الوطنية للمغاربة المقيمين بالخارج وتنفيذها.”وتدبير “الآلية الوطنية لتعبئة كفاءات المغاربة المقيمين بالخارج”، وذلك لفتح المجال أمام الكفاءات والخبرات المغربية بالخارج، ومواكبة أصحاب المبادرات والمشاريع”.وأن تعطي دفعة قوية، للتأطير اللغوي والثقافي والديني، لأفراد الجالية، على اختلاف أجيالهم”. بالإضافة إلى تبسيط ورقمنة المساطر الإدارية والقضائية، التي تهم أبناءنا بالخارج”.في حين أكد الملك خلال هذا الخطاب حرصه على ” فتح آفاق جديدة، أمام استثمارات أبناء الجالية داخل وطنهم. فمن غير المعقول أن تظل مساهمتهم في حجم الاستثمارات الوطنية الخاصة، في حدود 10 %.
ووفق هذا التوجه ، ولاستثمار أمثل لتحويلات الجالية المالية ، أوصى المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي فتح صندوق محمد السادس للاستثمار أمام مساهمة مغاربة العالم أو إحداث صندوق استثمار مخصص لمغاربة العالم بهدف توجيه بعض الموارد نحو الأنشطة ذات الانعكاسات الاجتماعية والبيئية الإيجابية، والاستثمار في أسهم الشركات، وأنشطة الاقتصاد الاجتماعي والتضامني؛و تشجيع الفاعلين المغاربة في القطاع المالي على تطوير منتجات تكميلية ذات جاذبية في مجالي الادخار والتقاعد مخصصة لمغاربة العالم.
بالإضافة إلى العمل في إطار شراكة بين القطاعين العام والخاص على إحداث منصة رقمية للتدبير التوقعي للوظائف والكفاءات خاصة بالكفاءات المغربية المقيمة بالخارج، على أن تشمل المهن الجديدة وتلك التي تعاني من الخصاص على المستوى الوطني.
وعلى العموم ، فقد أثبت التجارب العالمية أن تطور عدة دول وانتقالها السياسي والاقتصادي النوعي كالصين وغيرها ، قد تم باسهام كبير من طرف ما يسمى بالدياسبورا التي كانت تتشكل من كفاءات ونخب عادة ما تستثمر تجاربها ومهارتها في الدفع بهذه الدول إلى الامام. وبالتالي ، فقد حان الوقت لمأسسة سياسية واقتصادية وفكرية وثقافية لمغاربة العالم من أجل إسهام نخبهم وكفاءاتهم في تحقيق النقلة النوعية التي دشنها المغرب لتحوله إلى قوة صاعدة اقتصاديا ومتقدمة اجتماعيا ومتطورة إقليميا.