تحوّل مشروع سياحي واعد في منطقة أكلو بإقليم تزنيت إلى ساحة صراع بين شريكين، تتداخل فيها المصالح، والخلافات الشخصية، والتجاذبات السياسية.
وتعود القصة حسب المعطيات التي تتوفر عليها THE PRESS إلى ثمانينيات القرن الماضي، عندما حصل محمد ڭولحيان، وهو مغربي مقيم بالخارج ومنحدر من منطقة تيزنيت، وأحد رواد تنظيم الرحلات الجوية منخفضة التكلفة لفائدة الجالية المغربية، على قطعة أرضية من المجلس الإقليمي لإنشاء مشروع سياحي. ورغم أن التفويت تم بشروط محددة ودفتر تحملات، إلا أن العملية لم تُسدد مالياً إلا بعد سنوات، وبقيت الأرض باسم ڭولحيان، الذي كان مديناً حينها بمبلغ 1.2 مليون درهم للمجلس الإقليمي. ومع تعطل المشروع، كان من الممكن سحب الأرض منه نهائياً.
ظل المشروع في حالة جمود لسنوات، إلى أن التقى ڭولحيان بمصطفى بودرقة، المهندس الشاب ورجل الأعمال المعروف في مجال العقار. ومن خلال وساطة عائلية، رأى ڭولحيان في بودرقة الفرصة الأخيرة لإحياء حلمه القديم وإنجاز المشروع قبل فوات الأوان ونزع الأرض منه لعدم إحترام دفتر التحملات. ورغم تردده في البداية بسبب اختلاف الخلفيات وأساليب التدبير، قبل بودرقة التحدي. تولى متابعة الملف، وقام بتحديث التراخيص، وضبط الإحداثيات مع الأملاك البحرية، وأعاد المشروع إلى المسار الصحيح. في هذه المرحلة، لم يكن بودرقة شريكاً بعد، بل كان يتحرك بموجب توكيل موثق. ولم يُمنح حصة في الشركة إلا بعد نجاحه في تجاوز العقبات الأولية، حيث حصل على 30% من الأسهم، بعد أداء ثمنها ليصبح شريكاً مسيراً إلى جانب ڭولحيان. وتم اعتماد التوقيع الفردي في التسيير، ما سيلعب لاحقاً دوراً محورياً في النزاع.
أول ما بدأ به بودرقة استثمار 1.7 مليون درهم من ماله الخاص وانخرط بشكل يومي في المشروع. لكن الأرض لم تكن بعد باسم الشركة، ما تطلّب عملية تحويل قانوني. وهنا ظهرت أولى علامات التوتر، حيث حدد ڭولحيان قيمة الأرض في مبلغ وصل إلى 22مليون درهم، رغم أنه اقتناها في السابق 1.2 مليون فقط. هذا المبلغ تم تسجيله في حساب جاري للشركاء وليس في رأس المال، مما خلق دَيناً نظرياً على الشركة لفائدة ڭولحيان، وأثار أول شرخ في العلاقة بين الطرفين. ورغم هذا، واصل بودرقة المشروع مستعيناً بقرض بنكي بقيمة 30 مليون درهم، وعائدات المبيعات المسبقة، ومساهمات مالية إضافية. والجدير بالذكر أن المشروع مر بالأزمة العالمية التي عرفها قطاع العقار خلال سنة 2008، حيث وجد بودرقة نفسه وحيدا في تدبير المشروع بعد أن غاب شريكه عن الأنظار. لكن في سنة 2016، وبينما كانت الأشغال تقترب من نهايتها، وبدأ الزبناء في إستلام شواهد حجز العقار، عاد ڭولحيان إلى الواجهة بعد غياب طويل، مطالباً بممارسة صلاحياته الكاملة كشريك مسيّر.
ومن هنا بدأت مرحلة التعطيل: فرض التوقيع المزدوج، رفض توقيع عقود البيع، أقال الفريق التقني والتجاري، وامتنع عن التوقيع على الشيكات الموجهة للمزودين. دخلت الشركة في حالة شلل تام، وحسب مصدر قريب من الشريكين، فقد حاول بودرقة الوصول إلى تسوية، لكن دون جدوى. وتقدم ڭولحيان بشكاوى قضائية بتهمة سوء التسيير والاختلاس، لكن القضاء رفضها جميعاً، معتبراً أنه لا يمكنه الطعن في إدارة شركة كان هو نفسه أحد مسيّريها. وتم تعيين خبيرين مستقلين بطلب من ڭولحيان، وبموافقة بودرقة، ولم يُثبت أي منهما وجود اختلال أو تلاعب. ومع ذلك، حصل تطور مفاجئ بعد تعيين قاضٍ تحقيق جديد، قرر إحالة الملف إلى المحكمة دون الأخذ بتقارير الخبرة السابقة.
ومنذ ذلك الحين، أخذت القضية منعطفاً سياسياً واضحاً. مصطفى بودرقة، النائب الأول لرئيس جماعة أكادير وذراع عزيز أخنوش في المجلس الجماعي، وجد نفسه فجأة في قلب صراع قانوني أُعيد تفعيله في سياق مشحون بالإشاعات والتأويلات السياسية. البعض يرى في هذا التحول محاولة لتصفية حسابات مع شخصية صاعدة، مشهود لها بالكفاءة والانضباط في تدبير الشأن المحلي. وحسب مجموعة من الوثائق المحاسباتية التي حصل عليها THE PRESS، فإن المشروع كان ومازال قابلاً للنجاح ومربحاً جداً وجديراً بتنشيط السياحة بالمنطقة. وبالرغم من هاته المعطيات الإيجابية المتعلقة بالمشروع، إلا أنه بات اليوم رهينة صراع مفتوح لا يخلو من خلفيات انتخابية وتكتيكات خفية.
في أكلو، لم يعد هذا المشروع الرمزي مجرد استثمار مؤجل، بل تحول إلى مرآة لطموح جُمد ولصراع نفوذ يتغذى من الساحة السياسية بجهة سوس ماسة. وبينما لا تزال العدالة لم تقل كلمتها الأخيرة، يبقى السؤال الأهم معلقاً: هل يُكتب لهذا المشروع أن يُبعث من رماده، أم سيظل شاهداً على فرصة تنموية ضاعت في زحمة الصراعات ؟
القضية مستمرة.. وللقصة بقية..