منذ الإعلان عن تاريخ انعقاد المؤتمر الوطني التاسع لحزب العدالة والتنمية، برزت تساؤلات عميقة تتجاوز التحضيرات الشكلية إلى جوهر الأزمة التي يعيشها الحزب منذ سنوات. وبعيدًا عن لغة البلاغات الرسمية، يكشف قيادي بارز من داخل حزب المصباح لTHE PRESS عن ملامح أزمة مركبة، عنوانها الأبرز: نقص الجرأة في التقييم، وشخصنة الخلاف حول بنكيران. مصدرنا فضل عدم ذكر اسمه لحساسية المرحلة، حسب قوله، والتي تفصلنا على مؤتمر حزبه الذي سينعقد أواخر الأسبوع المقبل ببوزنيقة.
نضج تنظيمي أم فتور سياسي؟
يرى القيادي في حزب المصباح أن الحديث عن “هدوء” تحضيرات المؤتمر ليس توصيفًا دقيقًا، مؤكداً أن النقاش داخل الحزب كان حاضرًا طيلة السنة الماضية عبر قنوات اللجنة التحضيرية. غير أن الإشكال الحقيقي – حسب رأيه – يكمن في طبيعة المخرجات، خاصة ورقة “أولويات المرحلة” التي جاءت، بحسبه، باهتة ومجردة من الجرأة والوضوح في تشخيص أزمة الحزب. والأخطر من ذلك، غياب شبه تام للنقد الذاتي، وهو ما أضعف التفاعل الداخلي مع هذه الوثائق وجعل وقعها باهتًا أمام التحديات المصيرية التي يواجهها الحزب.
غياب النقد الذاتي.. قرار منهجي أم تهرّب سياسي؟
في معرض رده على الانتقادات الموجهة للقيادة الحالية بتجنب تقييم محطات حساسة كأزمة تشكيل الحكومة سنة 2016 أو الهزيمة القاسية في انتخابات 2021، يعترف مصدرنا بشكل غير مباشر بأن هذه القضايا لن تُطرح في المؤتمر، مرجعًا ذلك إلى طريقة تدبير الجلسات، التي لا تسمح بتوسع النقاش – إذ يُسمح بمداخلة واحدة فقط عن كل جهة حزبية. بل يؤكد أن الوثائق التي ستُعرض على المؤتمر حُسمت بشكل شبه نهائي منذ دورة المجلس الوطني الأخيرة، ما يعني أن المؤتمر سيكون أقرب إلى لقاء تأطيري منه إلى محطة تقييم ومساءلة.
انقسامات ناعمة أم شرخ تنظيمي عميق؟
ورغم الأجواء “المتحكّم فيها”، لا ينكر قيادي العدالة والتنمية أن الوضع التنظيمي للحزب يعيش مرحلة حرجة، خصوصًا في ظل توتر العلاقات مع عدد من القيادات التاريخية التي اختارت الانسحاب أو الصمت. ويقرّ بأن هذا الانقطاع أثر سلبًا على صورة الحزب ومصداقيته، سواء داخل صفوفه أو في أعين المتتبعين، معتبرًا أن هذا التفكك أحد الأسباب الجوهرية في تراجع مكانة الحزب.
بنكيران.. الرجل الذي يختزل الأزمة
أما عن مستقبل عبد الإله بنكيران، الأمين العام الحالي، فيرى مصدرنا أن المؤتمر وحده من يملك صلاحية الحسم في موقعه القيادي، كما أن بنكيران نفسه وحده من يقرر طبيعة الدور الذي يريد القيام به. غير أن الإشكال، كما يصفه القيادي، يكمن في “شخصنة النقاش”: فبدلاً من أن تنصب الخلافات حول قضايا سياسية وإصلاحية وفكرية، تحولت إلى تجاذب حول شخص بنكيران، وكأنه هو الأطروحة وهو البرنامج، وهو ما يعتبره خللًا منهجيًا زاد من ضعف الحزب وشتّت أولوياته.
ويخلص قيادي حزب المصباح، إلى أن المؤتمر الوطني التاسع لحزبه ليس مجرد محطة تنظيمية، بل لحظة مفصلية تضع الحزب أمام سؤال وجودي: هل يستطيع العودة إلى أصوله كحزب إصلاحي جماعي، أم سيبقى رهين حسابات الأفراد وتوازنات الماضي؟
فالمؤتمر قد لا يحمل مفاجآت تنظيمية، يؤكد مصدرنا، لكنه بالتأكيد سيجسّد عمق الأزمة التي يعيشها الحزب، ما بين ضرورة التجديد، وظلال الزعامة التي لا تزال تخيّم على كل شيء.