عيد الأضحى تحت الحماية الفرنسية..بين الاستعمار والمقاومة الثقافية

لم يكن عيد الأضحى خلال فترة الحماية الفرنسية”1912-1956″ في المغرب مجرد مناسبة دينية عابرة، بل تحوّل إلى رمز حي للممانعة الثقافية في وجه مشروع استعماري سعى لتفكيك الهوية الوطنية والدينية للمغاربة.

مع اقتراب العيد، كانت سلطات الحماية تستنفر أدواتها الرقابية، تراقب الأسواق، وتفرض قيودا على تنقلات الأضاحي، بل وتقلص أعداد الذبائح تحت ذرائع اقتصادية أو صحية. غير أن الهدف الحقيقي كان محاولة إفراغ الشعائر من مضمونها الرمزي ومنعها من أن تتحول إلى لحظة جماعية توحد الوجدان الشعبي.

ورغم التضييق، ظل المغاربة متمسكين بإحياء طقوس العيد كما ورثوها، معتبرين ذلك فعلا واعيا لتأكيد هويتهم ومقاومة محاولات الطمس. من المدن إلى القرى، كانت الأجواء تحافظ على روحها، ولو بإمكانات متواضعة.

في سنة 1943، سجلت مدينة الدار البيضاء لحظة فارقة في هذا السياق. فقد أطلق عدد من الشبان الوطنيين حملة لجمع التبرعات وشراء الأضاحي لتوزيعها على الأسر المحتاجة، مستغلين المناسبة لنشر منشورات سياسية مشفرة تدعو إلى الاستقلال. كانت الرسائل تُسلم بشكل سري، تحت غطاء اجتماعي وديني، يصعب على المستعمر اختراقه.

سارعت السلطات الفرنسية إلى توثيق هذه التحركات، واعتبرتها تهديدا صريحا، مما دفعها إلى تشديد الرقابة في الأعوام اللاحقة، لا سيما في الأسواق والمجازر وأحياء الوطنيين المعروفين.

ورغم كل ذلك، لم يتمكن الاستعمار من كسر رمزية “العيد الكبير”. فقد ظل بالنسبة للمغاربة مناسبة لتجديد التماسك الاجتماعي والتأكيد على الاستقلال الثقافي، في وقت كانت فيه كل مظاهر الهوية عرضة للمراقبة أو القمع.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

المنشور السابق

أمير المؤمنين يؤدي صلاة عيد الأضحى المبارك بمسجد الحسن الثاني بتطوان

المنشور التالي

عيد الأضحى.. غياب استثنائي للأطباق التقليدية هذه السنة

المقالات ذات الصلة