في ذاكرة المغاربة، يبرز “عام البون” أو “عام الجوع” كأحد أقسى الأعوام التي مرت بها البلاد خلال أربعينيات القرن الماضي، وبالضبط سنة 1945. كانت الحرب العالمية الثانية قد ألقت بظلالها الثقيلة على المغرب، الذي كان حينها تحت الحماية الفرنسية، مما تسبب في أزمة غذائية خانقة شملت كل مناطق البلاد.
جاء في كتاب “آثار وانعكاسات الحرب الأهلية الاسبانية على شمال المغرب من خلال المكتوب والموروث الشفهي -الريف نموذجا”، للباحث الحسين بوجدادي، أن المغاربة اضطروا لأكل لحم عيد الأضحى بدون خبز، حين ارتبط هذا الحدث بعام الجوع.
رغم الأوضاع المزرية، لم يتخل المغاربة عن طقس عيد الأضحى. فذبحت الأضاحي كما جرت العادة، لكن ما ميز تلك السنة هو الغياب شبه التام للخبز، الذي كان يشكل العنصر الأساسي في الوجبات المغربية. فقد فرضت سلطات الحماية نظام “البون” – أي التقنين في المواد الغذائية – وكان الخبز، الذي يعتمد على الدقيق، نادرا ويخضع للرقابة الشديدة.
يتحدث كبار السن عن تلك اللحظة بمرارة ممزوجة بالفخر. فرغم الفقر، استحضرت قيمة الأضحية كرمز ديني واجتماعي، حتى وإن قدمت بدون خبز، في أبسط وجبة قد يتخيلها الإنسان. كان لحم العيد يؤكل منفردا، أو يغلى في الماء فقط، وتقتسم الحصة مع الجيران في أجواء تكافلية تميز بها المجتمع المغربي في وجه المحن.
تحولت تلك الواقعة إلى رمز للصبر والارتباط بالهوية الدينية والثقافية، إذ لم تمنع المجاعة الناس من أداء شعيرة العيد، بل جعلتهم أكثر تضامنا وتمسكا بعاداتهم رغم قساوة الظروف.