مع حلول عيد الفطر في المغرب، يتجدد الفرح وتستعيد العادات والتقاليد طابعها المميز، حيث تحوّل الموائد إلى عرض حي للتنوع الثقافي والغذائي الذي يعكس إبداع المغاربة في تحضير الحلويات والأطباق التقليدية. عيد الفطر، بما يحمِل من معانٍ دينية واجتماعية، هو مناسبة لاحتفاء العائلات المغربية، فتزدحم البيوت بطقوس خاصة تجمع بين روح الإيمان والجمال في الطعام.
الحلويات: إبداع في المكونات والأشكال

لا يكتمل عيد الفطر في المغرب دون أن تزين الحلويات المائدة، حيث تُعتبر جزءاً أساسياً من الاحتفال وتعكس التقاليد العريقة والذوق الرفيع الذي تحرص الأمهات المغربيات على نقله عبر الأجيال. من بين أشهر هذه الحلويات “كعب الغزال”، التي تُميز الموائد بمظهرها الأنيق ورائحتها الزكية بفضل مكوناتها الغنية، حيث يُحضّر عجينها بمزيج من ماء الزهر والسكر والبيض والزيت، بينما تتنوع حشوتها بين اللوز والقرفة والزبدة، مما يجعلها من أكثر الحلويات شهرة في المملكة. إلى جانبها، تحضر أصناف أخرى مثل “الغريبة”، التي تجمع بين السمسم والبيض والسكر، و”الفقاص” المصنوع من البيض والزبدة والسكر الناعم، إضافة إلى حلويات أخرى تعتمد على التمر، السميد، الدقيق والفواكه الجافة، وتظل هذه التشكيلة ممدودة على الطاولة طوال اليوم لاستقبال الزوار والمهنئين بالعيد.

تنبض المائدة المغربية في عيد الفطر بالحياة، حيث تجمع بين الأجيال في مشهد يعكس الإبداع والكرم. وتبدأ التحضيرات منذ الليل، إذ تنشغل الأمهات بإعداد أطباق الإفطار التي تُقدم في الصباح الباكر. ويضم هذا الإفطار مجموعة من الفطائر المغربية الشهيرة مثل “المسمن”، “الحرشة” و”البغرير”، إلى جانب الرغيف المعسل المحشو باللوز، الذي يُعتبر طبقاً أساسياً لا غنى عنه في العيد. كما تتزين المائدة بأطباق مميزة مثل “رزيزة القاضي”، التي تُقدّم مع الزبدة والعسل، إلى جانب الأجبان، المربيات، والفواكه الجافة كاللوز والجوز والزبيب، مما يضفي على الإفطار طابعاً غنياً يترجم فرحة العيد وكرم الضيافة المغربية.
غذاء العيد: من الفطور إلى الغداء
يغتنم المغاربة العيد لتقديم أطباق غنية ومتنوعة خلال النهار. وبالطبع، لا تخلو مائدة الغداء من “الدجاج المحمر”، الذي يتم تحضيره بعناية فائقة بحيث يتم طهيه قبل تقديمه مباشرة للحفاظ على جودته. في حال كان العيد يصادف يوم الجمعة، يفضل المغاربة تحضير “الكسكس” ليكون الطبق الرئيس، بينما في الأيام الأخرى يتوزع التركيز بين أطباق الدجاج المحمر والطاجين، الذي غالباً ما يحتوي على “اللحم بالبرقوق” أو الفواكه الجافة، ولا ننسى “الرفيسة”، التي تعتبر من الأطباق الشهيرة في المغرب والتي تقدم مع الدجاج، أو “السفة” التي تزين المائدة بمزيج من السكر والقرفة واللوز المقلي، وهي أطباق تعد بمثابة تحفة فنية في المطبخ المغربي.





ثقافة العيد: الموروث والحداثة
إن الطعام في عيد الفطر بالنسبة للمغاربة ليس مجرد غذاء، بل هو تعبير عن التراث والكرم والتضامن الاجتماعي. حتى الأسر ذات الإمكانيات المحدودة تسعى إلى تقديم أفضل ما لديها، حيث تخرج ما خزّنته من سمن وعسل ولوز وجوز وزبيب، لتقديمها للضيوف والمهنئين. وهذا يبرز الجانب العميق من الثقافة المغربية، حيث يرتبط الطعام بالاحتفاء بالضيف والمناسبة.
وعلى الرغم من الانفتاح الكبير على المأكولات العالمية، إلا أن المغربيات ما زلن يحافظن على الأطباق الأصلية، ويحرصن على تعليمها للأجيال الجديدة. فحلويات عيد الفطر في المغرب، أكثر من مجرد طعام، فهي تمثل تراثاً حياً يعبر عن الإبداع والفرح والكرم، وتحمل معها تاريخاً عميقاً من العادات والتقاليد التي تميز المجتمع المغربي. وتظل هذه الحلويات جزءاً أساسياً من هوية العيد، إذ تجمع الأسر والمجتمعات، وتبني جسوراً من الفرح والتضامن بين الأفراد، سواء في المدن أو القرى