انتعاشة سياحية غير مسبوقة تدعم الاقتصاد الوطني و ترفع آمال النمو

حقق القطاع السياحي المغربي خلال العام الجاري أداء استثنائيا، إذ استقبلت المملكة نحو 13.5 مليون سائح خلال الفترة الممتدة بين يناير وغشت 2025، مسجلة بذلك زيادة قدرها 15% مقارنة بنفس الفترة من العام الماضي.

وقد تميز موسم الصيف هذا بتوافد 4.6 ملايين سائح خلال شهري يوليوز وغشت فقط، إلى جانب عودة قوية لمغاربة العالم الذين بلغ عددهم 3 ملايين شخص، أي بارتفاع قدره 13% مقارنة بصيف 2024 حسب ما أعلنت وزارة السياحة والصناعة التقليدية والاقتصاد الاجتماعي والتضامني.

وفي هذا الصدد صرح الخبير الإقتصادي بدر الزاهر الأزرق لموقع THE PRESS, أنه من المتوقع أن يكون لهذا الانتعاش السياحي آثار إيجابية مباشرة على الاقتصاد الوطني، لاسيما في ما يتعلق بتقوية احتياطيات العملة الصعبة وخلق فرص الشغل, ما ينعكس إيجابيا على الناتج الداخلي الخام ويسهم في رفع معدل النمو العام.

وأضاف الخبير الإقتصادي أنه بحسب استراتيجية تطوير القطاع السياحي للفترة 2023–2026، تهدف المملكة إلى خلق أكثر من 200 ألف منصب شغل جديد ما يشكل فرصة مهمة لتقليص نسب البطالة، خصوصا تلك الوافدة من قطاعات أخرى مثل القطاع الفلاحي أو القطاع غير المهيكل، مما يساعد على دمج القوى العاملة الشابة في سوق العمل الرسمي.

إلى جانب ذلك أشار الأزرق انه يترتب على هذه التدفقات السياحية آثار اقتصادية مباشرة وغير مباشرة على ميزان المدفوعات واحتياطيات العملة الأجنبية، وهو عامل حيوي بالنسبة للمغرب الذي يستورد جزءا كبيرا من حاجياته الأساسية بالعملة الصعبة, مشددا أن زيادة دخول العملة الصعبة من السياحة لا تعزز قدرة البلاد على تمويل الواردات فحسب، بل تساهم أيضا في استقرار الدرهم المغربي وتقوية الاحتياطيات النقدية للبلاد، ما يمنح الاقتصاد الوطني مرونة أكبر لمواجهة الصدمات الخارجية.

كما أن السياحة تمتلك تأثيرا تكامليا على باقي القطاعات الاقتصادية, إذ تشجع على نمو الأنشطة المرتبطة بالضيافة والنقل والمطاعم والصناعات الثقافية والحرفية، ما يخلق شبكة واسعة من فرص الشغل غير المباشر ويزيد من دوران رأس المال في الاقتصاد المحلي.

بعبارة أخرى السياحة ليست مجرد مصدر للعملة الصعبة، بل هي رافعة استراتيجية لتحفيز النمو الاقتصادي، تعزيز التوظيف، ودعم التنمية المستدامة على المستوى الوطني، إذا ما تمت مراعاتها ضمن سياسات متكاملة تربط بين الاستثمار، البنية التحتية، والتكوين المهني.

أما بالنسبة للبنية التحتية يقول الخبير الإقتصادي يبدو أن المغرب يمتلك اليوم قدرة استيعابية وبنية تحتية متقدمة تتيح له مجاراة النمو المتسارع في أعداد السياح. فحجم المشاريع والتدفقات الاستثمارية، سواء الوطنية أو الأجنبية، بالإضافة إلى الاستثمارات العمومية الموجهة لتعزيز البنى التحتية، يشير إلى استعداد المملكة لمواجهة هذا التوسع.

وتشمل هذه البنى الموانئ والمطارات والطرق، بالإضافة إلى شبكات السكك الحديدية الحديثة، والتي رافقت مشاريع كبرى مثل قطار فائق السرعة بين طنجة والدار البيضاء، فضلا عن الاستثمارات الموجهة لتطوير القطاع السياحي الرياضي والفندقي.

وأوضح الخبير انه على المستوى الكمي تهدف المملكة المغربية إلى استقبال أكثر من 18 مليون سائح خلال السنة المقبلة، مع توقعات للوصول إلى 26 مليون سائح بحلول عام 2030. كما يسعى القطاع إلى تجاوز رقم معاملات يقدر بـ13 مليار دولار، ما يعكس طموح المغرب في جعل السياحة رافعة استراتيجية للنمو الاقتصادي وخلق فرص الشغل.

كل هذه المؤشرات تعكس قدرة نسبية للمغرب على استيعاب هذه الأعداد المتزايدة، شريطة الاستمرار في تطوير البنى التحتية، تحسين جودة الخدمات، وضمان استدامة الموارد الطبيعية والثقافية التي تشكل العمود الفقري للعرض السياحي المغربي.

مضيفا الخبير أن توسيع الفنادق وتطوير المنتجعات وإحداث مناطق سياحية جديدة، كلها عوامل تعزز من قدرة المملكة على استقبال هذه التدفقات، بينما تعمل شبكة النقل الحديثة على ربط مختلف المدن والمناطق السياحية ببعضها، ما يسهم في توزيع عوائد السياحة على الصعيد الوطني وتقليص الضغط على الوجهات التقليدية مثل مراكش والدار البيضاء. هذا التكامل بين البنية التحتية والنمو السياحي يشكل نموذجا مثاليا لمقاربة مستدامة وفعّالة تعزز من موقع المغرب الإقليمي والدولي كمقصد سياحي رائد.

وأشار المتحدث نفسه أن المملكة باتت بحاجة إلى استراتيجيات شاملة ومتعددة الأبعاد، تجمع بين تطوير البنية التحتية، الابتكار في العرض السياحي، واستغلال الفرص الثقافية والرياضية. من بين الأولويات الأساسية، الانفتاح على أسواق جديدة، لا سيما في آسيا وأوروبا الشرقية، مع تعزيز الحضور التقليدي في الأسواق الأوروبية الشرق أوسطي والأمريكي، بما يضمن تدفقات سياحية متنوعة ومستقرة على مدار السنة.

وشدد الأزرق أنه يجب تحسين شبكات النقل الجوي والبحري بأسعار تنافسية يعد رافعة مهمة، إذ يسهم في تسهيل وصول السياح إلى مختلف الوجهات، بينما يضمن استمرار تطوير البنية التحتية السياحية من فنادق، منتجعات، ومرافق ترفيهية، إلى جانب تكوين الموارد البشرية المؤهلة، تقديم تجربة سياحية عالية الجودة تستجيب لمتطلبات الأسواق العالمية.

كما يمثل استغلال المغرب لاستضافته لأحداث رياضية كبرى، مثل كأس العالم وكأس إفريقيا، فرصة ذهبية للترويج للوجهة المغربية على نطاق عالمي، وتعزيز صورة المغرب كوجهة سياحية متنوعة ومتميزة. وفي هذا الإطار، يستحسن تسريع خلق أقطاب سياحية جديدة في الأقاليم الجنوبية، الشرقية والجنوب الشرقي، ما يساهم في توزيع عوائد السياحة وتقليص الضغط على الوجهات التقليدية.

مؤكدا الخبير أنه يجب أن تتضمن الاستراتيجيات أيضا الانفتاح على أبعاد جديدة للسياحة، مثل السياحة التضامنية والسياحة الإيكولوجية، بما يواكب التوجهات العالمية ويجذب شرائح سياحية جديدة تبحث عن تجارب مختلفة ومستدامة، إلى جانب استغلال الثورة الرقمية التي أضحت عنصرا حيويا، سواء على مستوى تطبيقات النقل، الإقامة، أو الترويج للوجهة، بما يعزز القدرة التنافسية للمغرب.

مضييفا الأزرق أنه لا يمكن إغفال الجانب الحضري والثقافي إذ يجب مواصلة إعادة تهيئة المدن وتعزيز الجانب الجمالي، مع توظيف الثروة التراثية المتنوعة من تاريخ، فنون، ثقافة، مطبخ، وزليج، إلى جانب التنوع الطبيعي الفريد، لاستقطاب المزيد من السياح، وتعزيز الهوية البصرية للبلاد واستثمارها في حملات ترويجية قوية في إطار استراتيجية متكاملة الغاية منها تقديم المغرب كوجهة سياحية متجددة ومتعددة الأوجه، تجمع بين الحداثة والتميز الثقافي، وتضمن استمرار النمو السياحي بشكل مستدام على المدى الطويل.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

المنشور السابق

البقالي يتأهل إلى نهائي 3000 متر موانع في مونديال طوكيو 2025

المنشور التالي

روسيا تعلن السيطرة على قرية أوكرانية وتتهم كييف بمهاجمة محطة نووية

المقالات ذات الصلة