في زمن تتقلب فيه الأسواق العالمية على وقع الأزمات والتحولات، تشهد أسعار النفط تراجعًا لافتًا يهدد نماذج اقتصادية تقليدية ويمنح في المقابل فرصة تاريخية لإصلاحات حقيقية. فبعدما انخفض سعر برميل خام برنت إلى ما دون 63 دولارًا، وخام غرب تكساس إلى حوالي 59.6 دولارًا، بدا المشهد مهيئًا لتخفيف العبء عن المستهلكين حول العالم. لكن في المغرب، لا شيء من هذا حدث.
هنا، ما تزال المحروقات تُسعَّر بعقلية الجزر المعزولة. فبينما ينهار سعر النفط عالميًا، يظل المواطن المغربي يدفع أزيد من 13 درهمًا للتر الغازوال، في مفارقة تصرخ بالظلم الاقتصادي. والمثير أن تراجع الأسعار لم يُترجم إلى أي مراجعة جدية للأسعار محليًا، رغم كل ما تتيحه المرحلة من فرص لتقويم السياسات الطاقية وإعادة توزيع هوامش الربح بشكل أكثر عدالة.
صحيح أن الظرفية الدولية معقدة، وأن التحولات الطاقية باتت تتجاوز معادلة “عرض وطلب”، لتشمل اعتبارات سياسية واستراتيجية ومناخية، لكن المؤكد أيضًا أن غياب الشفافية في السوق الوطنية، واستمرار منطق “الربح المضمون” لدى شركات التوزيع، يطرحان أسئلة حقيقية حول من يتحكم في مفاتيح التسعير… ومن يحمي جيب المواطن من فواتير لا ترحم.
تقرير مجلس المنافسة السابق كشف الغطاء عن أرقام صادمة: هوامش ربح شركات التوزيع تتجاوز 1.46 درهم للتر من الغازوال، ودرهمين للبنزين. أرقام تعكس سوقًا محرّرة شكليًا، لكنها في العمق محكومة بمعادلات ريعية صامتة، في ظل نجاعة آليات المراقبة الفعلية واستغلال شركات المحروقات لهذا الضعف.
إن استمرار هذا الوضع لا يهدد فقط ثقة المواطنين في مؤسساتهم، بل يضعف أيضًا القدرة الشرائية في وقت دقيق، تُصارع فيه الأسر المغربية من أجل الصمود. والمفارقة أن الحكومة تبرر كل ذلك بمقارنات غير واقعية مع “بلدان مماثلة”، متناسية أن الأجور ليست مماثلة، ولا القدرة الشرائية، ولا حتى سقف الصبر الاجتماعي.
اليوم، لم يعد من المقبول أن يُستغل شعار “تحرير السوق” كغطاء لاحتكار مربح لا ينعكس على المستهلك. فمع كل تراجع في الأسعار العالمية، يجب أن نطالب لا فقط بالانخفاض الموازي محليًا، بل بإعادة هيكلة المنظومة كاملة: من هوامش الشركات، إلى دور الدولة، إلى نموذج التسعير نفسه.
فهل يتحرك مجلس المنافسة أخيرًا لتفعيل دوره كمؤسسة دستورية لكي يستفيد المواطن من تخفيضات منطقية في أسعار الغازوال نتيجة المنافسة الشريفة ؟ أم أن النفط سينخفض في العالم.. ويبقى مرتفعًا في محطاتنا إلى أجل غير مسمى؟