المغرب وموريتانيا ونهاية مسلسل الحياد الكلاسيكي..

لا يمكن لأي متتبع للموقف الحالي لموريتانيا، في إطار التوتر الذي خلقته الجزائر حول قضية الصحراء المغربية، إلا أن يفهم أن نواكشوط أعلنت رسميا الخروج من مرحلة الحياد الكلاسيكي، هذا الموقف الذي سيتعرض حتما خلال الأشهر القليلة المقبلة للاختبار بشكل متزايد.

الحياد الموريتاني في قضية الصحراء المغربية فقد أسبابه في سياق التحولات الذي عرفته الجغرافيا السياسية الإقليمية، وخاصة تحت تأثير الثقل الدبلوماسي والاقتصادي المغربي، الذي يدعمه شركاء استراتيجيون كالإمارات العربية المتحدة.

هذا التأثير المغربي سرعان ما وجد صدى إيجابياً لدى المثقفين والفاعلين الاقتصاديين في موريتانيا. حيث تعتمد التجربة الإقليمية التي تقدمها الرباط على مشاريع ملموسة تهدف إلى تعزيز البنية التحتية، وتبادل التجارة، والشراكات الاستراتيجية.

وفي هذا الإطار يأتي الإعلان عن الشراكة الثلاثية بين المغرب وموريتانيا والإمارات العربية المتحدة لإطلاق مشاريع استراتيجية واسعة النطاق من أجل التحول الاقتصادي للساحل الصحراوي. حيث أن الاجتماع الذي عقد مؤخرا في دبي بين صاحب الجلالة الملك محمد السادس وولي عهد الإمارات العربية المتحدة والرئيس الموريتاني محمد ولد الغزواني، من شأنه إعادة تشكيل الديناميات الجيوسياسية في منطقة الساحل والصحراء، خصوصا أنه سيتم تزويد المنطقة ببنية تحتية حديثة، وتعزيز الربط بين أفريقيا وأوروبا وأمريكا، وتحفيز النمو الاقتصادي من خلال مشاريع في قطاعات الطاقة والنقل والسياحة. الشيء الذي يتناقض مع النموذج الجزائري الذي يعتمد على سياسة الانقسام ودعم الكيانات غير الحكومية.

علاوة على ذلك، وفي 6 يناير 2025، أكد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، خلال خطاب أمام السفراء، أن “أحد الفترات المهمة في الأشهر الأخيرة كان ما نجحنا في بنائه مع صاحب الجلالة الملك محمد السادس خلال زيارة الدولة”، وخاصة دور المغرب كشريك رئيسي لمقاربة جديدة للقارة الإفريقية، حيث أصبح المغرب الآن “أحد الرافعات لمقاربة إفريقية مبتكرة.”

وإن عدنا شيئا ما إلى الوراء، فمنذ اتفاقية السلام الموقعة في 1979 مع جبهة البوليساريو، تسعى موريتانيا للحفاظ على حيادية مبدئية بشأن قضية الصحراء المغربية. ومع ذلك، تتعرض هذه الحيادية لضغوط متزايدة.

اليوم وبفضل مشروعه للحكم الذاتي للصحراء المدعم من القوى الدولية مثل الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، فالمغرب يعزز من جاذبيته الجيوسياسية. في الوقت نفسه، تظل الجزائر وفية لدعمها للبوليساريو، مستفيدة من وسائل مالية وعسكرية للتأثير على جيرانها، رغم أن هذه الإستراتيجية أصبحت غير نافعة وتعاني من ضغوط كبيرة.

أما بالنسبة لموريتانيا، يصبح الحفاظ على الحياد أمراً معقداً بشكل متزايد في مواجهة الفرص الاقتصادية التي يقدمها المغرب وشركاؤه، مثل مشروع الأطلسي، الممول جزئياً من قبل الإمارات، والمخاطر المترتبة على عدم الاستقرار التي قد يشكلها تغيير في الاصطفاف.

وبعيداً عن الحسابات السياسية المعقدة، يبدو أن النخبة الموريتانية أصبحت أكثر اقتناعاً بأن مستقبل البلاد مرتبط ارتباطًا وثيقًا بمستقبل المغرب. وهذا ما تؤكده الصحافة ووسائل الإعلام الموريتانية باستمرار حين تركز على الفرص الاقتصادية والاستراتيجية المتاحة من خلال تحالف معزز مع الرباط، بينما تنتقد النهج الأيديولوجي و”البدائي” للجزائر. وهذا ما يعكسه الوعي المتزايد بالبراغماتية في العلاقات الدولية، حيث يتفوق التعاون والتنمية على القصص والصراعات الموروثة من الماضي.

نهاية الحياد الموريتاني لم يأت من فراغ، حيث أن جيرانه في الشمال أثبتوا استدامة نموذجهم الاقتصادي التشاركي، كما أظهر أيضاً أن عملية الاصطفاف الدولي لصالح مشروع الحكم الذاتي مستمر.

وإذا تمكنت موريتانيا من تقييم الفوائد الحقيقية للتقارب مع المغرب، وخاصة في مجالات تطوير البنية التحتية، والوصول إلى الأسواق الدولية، وتعزيز الاستقرار الإقليمي، فإن أول ما سيتأثر سلبًا هو “الحياد”.

وهي مناسبة لإعادة التفكير في اخراج المغرب الكبير، وتجاوز الانقسامات من أجل بناء قاعدة اقتصادية تكاملية ومتضامنة، حيث بإمكان موريتانيا لعب دورًا مركزيًا من خلال تعزيز ديناميكية التعاون. كما يتطلب هذا الخيار القدرة على وضع الثقة في شريك موثوق وقوي مثل المغرب، والشجاعة السياسية لتجاوز الضغوط والتحديات الفورية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

المنشور السابق

أفضل الأفلام لشهر مارس

المنشور التالي

سيدنا رمضان بالمغرب.. عادات اجتماعية وقيم دينية

المقالات ذات الصلة