مع اقتراب المؤتمر الوطني التاسع لحزب العدالة والتنمية، يزداد الجدل داخل الأوساط السياسية حول مستقبل الحزب، الذي يعيش منذ هزيمته الانتخابية المدوية سنة 2021، على وقع انقسامات صامتة ونقاشات مؤجلة. وفي حوار حصري مع THE PRESS سينشر كاملا مساء اليوم، قدّم عمر المرابط، العضو السابق في المجلس الوطني للحزب وأول ممثل له بالخارج، قراءة نقدية شاملة لمسار الحزب، مشخّصاً أزماته البنيوية ومعلناً مواقف جريئة في حق قياداته، دون مواربة ولا تجميل.
تحولات صامتة أم فتور خفي؟
في مستهل حديثه، استبعد المرابط أن يكون الهدوء الظاهري الذي يسبق المؤتمر التاسع دليلاً على نضج تنظيمي، معتبراً أن ما يحدث هو نتيجة تراكمات من الانكسارات الداخلية، بدءاً بإعفاء عبد الإله بنكيران سنة 2017، وما خلفه ذلك من شعور “بالخذلان وانتهازية القيادات المحيطة به” لدى الزعيم العائد، وصولاً إلى فشل الحوار الداخلي و”الإقصاء المتعمد” لبعض الأصوات المخالفة – كما حدث معه شخصياً حين حُرِمَ من المشاركة رغم اشتغاله أكاديمياً على موضوع الديمقراطية داخل الحركات الإسلامية.
ورغم مغادرته للحزب، يؤكد المرابط أنه لا يرى مؤشرات على انفجار وشيك، مرجحاً سيناريو “الوساطات المحدودة” لإعادة بعض اللحمة إلى صفوف القيادة، لكن مع تحفّظه على “التكتم المبالغ فيه” لبعض القياديين الذين يصرحون من وراء ستار، وهو ما وصفه بـ”ظاهرة التنكر السياسي” غير الأخلاقية.
النقد الذاتي المفقود.. وتفسير “الهزيمة المنكرة”
وحول الاتهامات الموجهة للقيادة الحالية بتغييب النقد الذاتي، يرى المرابط أن الحزب مارس شكلاً من أشكال “النقد الناعم”، موجهاً أصابع الاتهام إلى القيادة السابقة، دون الجرأة على قول ما يعتبره كثيرون “الحقيقة المرة”، وهي أن الهزيمة الانتخابية لم تكن فقط نتيجة فشل تدبيري داخلي، بل أيضاً نتاج “تحكم خارجي” وتغييرات سياسية فرضت خريطة نتائج مسبقة.
ويؤكد أن حزب العدالة والتنمية، ورغم ماضيه في الدفاع عن الشفافية، لم يجرؤ على اتهام العملية الانتخابية بشكل صريح، “تجنّباً للصدام مع الدولة”، وهي برأيه حسابات تُكبّل الحزب وتعيق تقييمًا موضوعيًا وجماعيًا للتجربة الحكومية.
أما في ما يتعلق بتقييم المرحلة الحالية، فلم يتردد في وصف القيادة الحالية بـ”النرجسية والشعبوية”، مشيراً إلى أنها تحاول تبرير كل فشل بإلقاء اللوم على من سبق، دون مراجعة فعلية لاختياراتها الحزبية.
بنكيران والقيادة: زعامة أم احتكار؟
في تحليله لموقع عبد الإله بنكيران داخل الحزب، يذهب المرابط بعيداً في توصيف علاقة الزعيم العائد بمحيطه، معتبراً أن بنكيران بات محاطاً بـ”مريدين” لا يجرؤون على انتقاده، وأن ما يشهده الحزب هو تراجع “التيارات المتنوعة” لصالح نوع من “التفكير الموحد” الذي قد يضر بتعدديته الفكرية. ويعتبر أن بعض أعضاء الأمانة العامة جاؤوا من مواقع تواصلية أكثر منها تنظيمية، في إشارة إلى “نشطاء الفيسبوك” و”les grandes gueules”.
وعلى الرغم من تحفظه على أسلوب قيادة بنكيران، يقر المرابط بأن الرجل لا يزال يحتفظ بكاريزما سياسية تجعله قادراً على التأثير، خاصة في ظل تراجع بعض القيادات التاريخية. لكنه في الوقت ذاته، يرى أن المؤتمر التاسع أو العاشر يجب أن يكون لحظة انتقال إلى الجيل الثاني، ويدعو بنكيران إلى أن ينفتح على من أسماهم “البنكيرانيين النصوحين”، الذين يختلفون معه بصدق لا بتملق.
جندي خفاء.. اقتراح لم يُؤخذ به
وعاد المرابط في ختام حديثه إلى سنة 2017، عندما اقترح – دون جدوى – أن يحتفظ بنكيران بمكانته الرمزية داخل الحزب دون توليه مسؤوليات تنفيذية مباشرة، حتى يتفادى الحزب الانقسام بين القرار الحزبي والحكومي. ويعتبر أن تبني هذا النموذج كان سيجنّب الحزب ثلاثية “التطبيع، قانون اللغة، والقنب الهندي”، وهي ملفات فجرّت التباينات داخلياً وخارجياً.
ويختم المرابط بالقول إن ديمقراطية الحزب، رغم تراجعها النسبي، لا تزال “أصيلة” مقارنة بأحزاب وحركات مشابهة، لكن التحدي المطروح اليوم هو الانتقال من جيل المؤسسين إلى جيل جديد قادر على التفكير الاستراتيجي دون تقديس الزعامات.
في الختام، يبدو أن حزب العدالة والتنمية، كما صوره عمر المرابط، يقف اليوم على عتبة مصيرية: إما أن يستثمر لحظة المؤتمر في ترميم ذاته وتصحيح مساره، أو يواصل المراوحة بمنطق الزعامة الأحادية والانقسامات المؤجلة.