حينما يُذكر الفن المعاصر في المغرب، يتصدر اسم الشعيبية طلال المشهد كنجمة متألقة صنعت لنفسها مكانة خاصة، رغم كل التحديات. فنانة عصامية، تحدّت الأعراف المجتمعية ودخلت عالم الفن الذي كان يهيمن عليه الرجال، حاملة معها رؤية فريدة نابعة من تجربتها الحياتية وشعورها الفطري بالألوان والأشكال.
وُلدت الشعيبية سنة 1929 في قرية شتوكة قرب مدينة الجديدة، في بيئة قروية يغلب عليها الطابع الطبيعي والبساطة. غير أن طفولتها لم تدم طويلاً، فقد زُوّجت وهي في سن الثالثة عشرة لرجل يكبرها كثيراً، ولم تلبث أن ترمّلت وعمرها لا يتجاوز الخامسة عشرة، مع طفل صغير تتولى رعايته. عملت كمنظفة للصوف لتؤمّن لقمة العيش لابنها حسين، لكنها احتفظت رغم كل المحن بطاقة إيجابية وخيال حيّ ظلّ يرافقها.
في الخامسة والعشرين من عمرها، وبعد حلم وصفته بأنه كان “إلهاماً”، بدأت ترسم بشكل تلقائي، مستخدمة الورق المقوى والخشب وحتى أصابعها. ابنها، الذي أصبح لاحقاً فناناً بدوره، دعمها وشجعها على المضي في هذا الطريق الفني.
رغم الموهبة الفذة التي برزت في أعمالها، لم تجد الشعيبية في البداية التقدير في بلدها. خلال ستينيات القرن الماضي، وُصفت أعمالها بأنها “فن ساذج”، وواجهت استبعاداً من قبل النخبة الفنية التي كانت تسعى لتقديم فن حداثي يعكس هوية مغربية عصرية. لكن هذه النظرة تغيّرت لاحقاً، وأصبح يُنظر إليها كفنانة رائدة. شخصيات فكرية مثل عبد الكبير الخطيبي وفاطمة المرنيسي أبدت إعجابها بأعمالها.
التحول الجذري في مسارها جاء سنة 1965، حين زار الناقد الفرنسي بيير غوديبر مرسمها برفقة الفنان المغربي أحمد الشرقاوي. انبهر بأعمالها المشحونة بالألوان، ودعاها لتنظيم أول معرض لها سنة 1966 في معهد “غوته” بمدينة الدار البيضاء. هذا المعرض شكّل بوابة انطلاقتها العالمية، حيث عرضت في باريس ضمن صالون “السورياندبوندون” في متحف الفن الحديث.

امتازت لوحات الشعيبية بالعفوية والصدق، مستخدمة ألواناً صافية وتراكيب بسيطة لكنها معبّرة. استلهمت أعمالها من الذاكرة الشعبية المغربية، حيث رسمت النساء والراقصات والحكواتيين ومشاهد من الفانتازيا. إحدى أبرز لوحاتها “المرأة الأمازيغية” تُظهر قدرتها على التعبير عن المشاعر الإنسانية بلمسة فنية مبهرة.
توفيت الشعيبية طلال يوم 2 أبريل 2004 بمدينة الدار البيضاء، لكنها خلّفت إرثاً فنياً ضخماً ما يزال يدهش الأجيال. تُعدّ رمزاً للتحرر الإبداعي ومرآةً صادقة لحياة المرأة المغربية البسيطة التي تحدّت القيود الاجتماعية. وبفضل إصرارها وموهبتها الفطرية، أصبحت أيقونة للفن المغربي ووجهًا مشرقًا من وجوه الفن الفطري على الساحة العالمية.