يستمر النقاش الوطني حول إصلاح أنظمة التقاعد في إثارة الجدل، بين مقاربة الحكومة التي تؤكد على ضرورة التوافق مع النقابات قبل أي خطوة، وموقف المركزيات النقابية التي ترفض تحميل الشغيلة كلفة اختلالات الصناديق.
وخلال برنامج خاص بث مساء أمس الأربعاء 10 شتنبر 2025 على القناتين الأولى والثانية, شدد رئيس الحكومة، عزيز أخنوش، على أن الحكومة مستعدة للشروع في إصلاح أنظمة التقاعد، لكنه اعتبر أن “هذا الورش لا يمكن أن يتم إلا في إطار توافق مع الشركاء الاجتماعيين ومن خلال حوار جاد ومسؤول”. وكشف المسؤول نفسه أن التوقعات السابقة كانت تشير إلى تسجيل عجز في الصندوق المغربي للتقاعد ابتداء من سنة 2028، “لكن بفضل الإصلاحات السابقة والزيادات المعتمدة، لن يواجه الصندوق أي إشكال قبل سنة 2031، وهو ما يمنحنا متسعا من الوقت لإيجاد حلول متوافق عليها مع النقابات”.
وأشار المتحدث إلى أن الحكومة شرعت بالفعل في عقد لقاءات مع المركزيات النقابية، حيث انعقد اجتماعين أوليين، على أن يتلوهما اجتماع ثالث مع وزيرة المالية واللجنة المختصة، بغرض بلورة تصور شامل لإصلاح منظومة التقاعد. وأردف قائلا: “الحكومة لديها تصور واضح، والنقابات بدورها لديها مقترحاتها سواء على مستوى الحكامة أو التدبير، ونحن جميعا متفقون على أن الملف كبير ومعقد ويحتاج إلى نقاش معمق وتوافق واسع”.
بالموازاة مع ذلك، حذر التقرير السنوي الثاني عشر حول الاستقرار المالي، الصادر عن بنك المغرب وهيئة مراقبة التأمينات والاحتياط الاجتماعي والهيئة المغربية لسوق الرساميل، من استمرار حالة التردد في إصلاح أنظمة التقاعد منذ عقد من الزمن، مشيرا إلى أن كلفة التأجيل تتزايد مع مرور الوقت.
وأكد التقرير أن “إصلاح أنظمة التقاعد ورش مستعجل يجب أن يدرج ضمن أولويات الأجندة الحكومية”، خاصة مع تسارع شيخوخة السكان، إذ تراجعت نسبة من هم دون 15 سنة من 31% سنة 2004 إلى 26.5% سنة 2024، مقابل ارتفاع نسبة من يفوق سنهم 60 سنة من 8% إلى 13.8% خلال نفس الفترة. وأبرز التقرير أن هذه الأنظمة استخلصت 66.8 مليار درهم من المساهمات سنة 2024 (+8.9%)، في حين بلغت التعويضات 71.1 مليار درهم (+5.8%)، بينما ارتفعت احتياطاتها بـ4.6% لتناهز 327 مليار درهم.
ومن جانبه, شدد خالد السطي، عضو المكتب الوطني للاتحاد الوطني للشغل بالمغرب والمستشار البرلماني باسم النقابة، في تصريحه لموقع THE PRESS, على أن أي إصلاح للتقاعد “يجب أن يراعي مبادئ العدالة الاجتماعية والإنصاف بين الأجيال وضمان الكرامة للمتقاعدين، بعيدا عن المقاربات المحاسباتية الضيقة التي تسعى فقط لتحقيق التوازن المالي على حساب الحقوق المكتسبة للشغيلة”.
وأضاف السطي أن “اختلالات صناديق التقاعد ليست مسؤولية الموظف أو العامل، بل هي نتاج سياسات عمومية خاطئة، وفشل في سياسة التشغيل، وضعف في الحكامة، وتراكم سنوات من غياب الإصلاح البنيوي الحقيقي”. وأكد السطي رفض نقابته لما وصفه بـ“المقاربة المقياسية” التي تختزل في تمديد سن التقاعد أو الرفع من الاقتطاعات أو تقليص المعاشات، معتبرا أن هذه الحلول “لا تقدم استدامة حقيقية للصناديق”.
وحسب تصريح السطي, فقد دعا الاتحاد الوطني للشغل بالمغرب الحكومة إلى فتح حوار اجتماعي مسؤول وشامل مع جميع الفرقاء الاجتماعيين، وعدم الاكتفاء ببعض المركزيات، محذرا من فرض حلول جاهزة ستدفع الشغيلة ثمنها.وطالب سطي بأن يضمن أي إصلاح مستقبلي عدم المساس بالحقوق المكتسبة للموظفين والمستخدمين، وأن يراهن على توحيد أنظمة التقاعد في إطار إصلاح هيكلي عادل وشمولي يحقق الاستدامة ويكرس الإنصاف.واعتبر أن “إصلاح أنظمة التقاعد ينبغي أن يكون مدخلا لتعزيز الثقة في المؤسسات، وليس لتغذية التوجس الاجتماعي والاحتقان”.
وختم السطي بالقول إن تصريحات رئيس الحكومة تكشف أن “الحكومة لن تفي بوعودها، ولن تقدم على مباشرة الإصلاح قبل الاستحقاقات الانتخابية لسنة 2026 والانتخابات المهنية لسنة 2027، لاعتبار بسيط هو أن سيناريوهات الإصلاح قد تثير سخطا شعبيا لا ترغب الحكومة في مواجهته في الظرفية الحالية”.