أدت هجمات 7 أكتوبر 2023 وسقوط نظام الأسد في سوريا في أوائل دجنبر 2024 إلى تغييرات كبيرة في موازين القوى بمنطقة الشرق الأوسط. وستجبر هذه الاضطرابات حتما دولاً مثل إسرائيل وتركيا وإيران ودول الخليج على إعادة تقييم استراتيجياتها، مما قد يدفع بعض البلدان إلى صراعات جديدة.
وخلال حملته الانتخابية، تحدث الرئيس الأمريكي “الجديد القديم” دونالد ترامب مرارا وتكرارا عن إعادة القوات الأمريكية المتمركزة في أجزاء مختلفة من العالم، لكن يبدو أن هذه السياسة غير محتملة بالنسبة لمنطقة الشرق الأوسط والخليج، حيث تشير التطورات الأخيرة إلى أن الولايات المتحدة الأمريكية سوف تحتاج إلى الحفاظ على تركيزها الاستراتيجي على هذه المنطقة في المستقبل المنظور.
وإذا كان وصول ترامب يعتبر فألاً حسناً للرياض، فإنه على العكس تماماً بالنسبة لطهران، حيث أن إيران تواجه بالفعل صعوبات مالية هائلة (جزء منها ناتج عن الحصار التجاري الأمريكي والغربي المفروض على البلاد)، زيادة على الحراك الشعبي المطالب باحترام حقوق الإنسان (وبالأخص الحقوق المضطهدة للنساء).
فخلال فترة ولايته الأولى، أعلن ترامب انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي الإيراني، مما أسفر عن إعادة فرض عقوبات اقتصادية صارمة على إيران. هذه الخطوة أضافت توترا إضافيًا للعلاقات بين الولايات المتحدة وإيران ودفعت طهران إلى تقارب أكبر مع الصين وروسيا.
ويرى بعض المتابعين لشأن الشرق الأوسط، أنه بالرغم من الديناميكية التي أتى بها ترامب في الثلاث أشهر الاولى من ولايته الثانية، سيكون من الصعب تحقيق وقف تصعيد الأعمال العدائية في المنطقة، لأن الحملة الهمجية التي شنتها إسرائيل على غزة ردًا على “طوفان الأقصى” في 7 أكتوبر 2023، تسببت في أعداد مروعة من الشهداء والتشريد والمعاناة بين المدنيين.
هذا العدوان الذي لم تتعامل معه إدارة الرئيس السابق بايدن بالصرامة اللازمة، حيث اكتفت بحث إسرائيل على إنهاء هجومها وهددت بحجب المساعدات إذا لم تتحسن الظروف المعيشية للمدنيين في غزة، بالمقابل قامت بتبرير تصرفات إسرائيل واستمرت في تزويد حليفتها الاستراتيجية بالأسلحة.
هاته المؤشرات في السياسة الاميركية لا يمكن القول أنها تغيرت في الأشهر الاولى من ولاية ترامب، الذي أكد خلال مؤتمر صحفي جمعه برئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو خلال زيارة له إلى الولايات المتحدة الأمريكية، أن إدارته ستتولى السيطرة على قطاع غزة وستقوم بالتخلص من آثار الحرب وستخلق فرص عمل هناك بعد إخراج سكان القطاع إلى مناطق أخرى. لكن سرعان ماتراجع على هذا الاقتراح “الغريب” وهو ما بدى متناقضا مع مواقفه السابقة.
هذا التراجع، إذا كان كذلك، يفتح الباب أمام تساؤلات أساسية: هل هو تحول حقيقي في الموقف الأميركي، أم مجرد تكتيك سياسي يندرج ضمن مناورات ترامب المعتادة للحصول على تنازلات أكبر من الأطراف الفاعلة.
وإجمالا، يمكن وصف سياسة ترامب في منطقة الشرق الأوسط، بأنها ستعتمد على الابتكار الدبلوماسي، لكنها ستؤدي لا قدر الله إلى المزيد من التوترات والصراعات في المنطقة.