أحدثت التجارة الإلكترونية ثورة في عالم الاقتصاد والتسويق، حيث بات بإمكان الأفراد والشركات تنفيذ عمليات البيع والشراء عبر الإنترنت بسهولة وسرعة تفوقان الطرق التقليدية. ومع تزايد الاعتماد على هذه التقنية، برزت قضية أمن المعطيات كواحدة من أبرز التحديات التي تهدد ثقة المستخدمين وسلامة المعاملات الإلكترونية.
وفي هذا الصدد يوضح الخبير و المستشار في الأمن السيبراني الطيب هزاز في تصريحه لموقع THE PRESS، أنه عندما يقرر المستهلك القيام بعملية شراء إلكتروني، فإنه يشارك طوعا معلومات حساسة كبيانات بطاقته البنكية، عنوانه، رقم هاتفه، وأحيانا حتى وثائق الهوية.
وفي حال لم يشعر بأن هذه البيانات مؤمنة ومحمية بشكل كاف، فإنه سيتردد أو حتى يتراجع عن قرار الشراء. فالثقة هنا ليست مجرد شعور، بل شرط أساسي لتفعيل أي علاقة تجارية عبر الإنترنت.
و أضاف الخبير السيبراني قائلا: ” للأسف أثبتت الممارسة خاصة في العديد من الدول العربية، أن عددا من المنصات الإلكترونية لا تلتزم بحماية خصوصية العملاء كما ينبغي. بل إن بعض أصحاب هذه المنصات يبيعون أو يشاركون بيانات الزبائن مع جهات خارجية دون علمهم، متذرعين بتحسين الخدمة أو تسريع عملية التوصيل”.
و أشار الخبير أن هذا السلوك الاستغلالي ساهم في تآكل ثقة المستهلك، ودفع كثيرين إلى تجنب إدخال معلوماتهم البنكية، أو اللجوء إلى الدفع نقدا لتفادي أي اختراق لخصوصيتهم. والأسوأ من ذلك أن بعض المنصات تستغل أرقام هواتف الزبونات من الإناث، مما يؤدي إلى حالات تحرش إلكتروني أو مضايقات عبر تطبيقات المراسلة، وهي ظاهرة خطيرة لكنها غالبا ما تمر في صمت، إما بسبب الحرج أو لضعف الوعي القانوني والرقمي لدى الضحايا.
ولا تقف التهديدات عند هذا الحد، إذ تواجه بيانات المستهلك أخطارا مستمرة من خلال هجمات إلكترونية تعتمد على التصيد الاحتيالي، أو نشر البرمجيات الخبيثة، أو اختراق قواعد بيانات المنصات نفسها. وفي كثير من الحالات، تكون الثغرات ناتجة عن ضعف تقني بنيوي، كغياب التشفير، أو استعمال أنظمة غير محدثة، أو حتى استغلال داخلي من طرف موظفين لديهم صلاحية الوصول إلى البيانات، ولا يتم الإشراف عليهم بشكل كاف.
ومن جهة أخرى، أكد هزاز أن الشركات العالمية الكبرى تتعامل مع هذه التهديدات بجدية، فتستثمر في أنظمة الأمن السيبراني، وتستخدم تقنيات متقدمة للتشفير والمراقبة الذكية. أما الشركات الصغيرة أو الناشئة، وخاصة في السياق العربي، فكثير منها لا تعتبر الأمن الرقمي أولوية، بل تتعامل معه كتكلفة إضافية غير ضرورية.
وشدد الخبير في الأمن السيبراني، أن المسؤولية الكبرى تقع على عاتق المنصات التجارية، إلا أن للمستهلك دورا مهما في حماية بياناته. إذ يفترض به أن يتحلى باليقظة، وألا يشارك معلوماته الحساسة إلا عبر المنصات الرسمية، وأن يتحقق من هوية كل من يتصل به بزعم تأكيد الطلب، ويحرص على عدم الضغط على أي روابط مشبوهة تصل عبر البريد أو الرسائل النصية. كما يستحسن أن يستعمل بريدا إلكترونيا ورقما هاتفيا مخصصين للشراء، لتقليل الخطر في حال تم تسريب البيانات.
وخلص الخبير والمستشار في الأمن السيبراني، الطيب هزاز، في تصريحه لTHE PRESS، أن التجارة الإلكترونية رغم سهولتها وانتشارها، أصبحت ساحة خصبة لاستغلال بيانات الزبائن، ويؤكد هزاز على أن حماية المعطيات لم تعد رفاهية أو خيارا ثانويا، بل باتت شرطا ضروريا لضمان استمرارية المنظومة التجارية الرقمية، لأن أي تهاون فيها قد يسقط الثقة ويفقد السوق مصداقيته بالكامل.
و أضاف الطيب هزاز، قائلا “ولأن التحديات مستمرة، فإن التوعية الرقمية تبرز كأداة أساسية لتقليل المخاطر. ويفترض أن تشمل التوعية مبادرات إعلامية، ومواد تعليمية في المدارس والجامعات، بالإضافة إلى نصائح عملية تقدمها التطبيقات والمنصات داخل واجهات الاستخدام”.
كما أكد الخبير في الأمن السيبراني، أن مستقبل التجارة الإلكترونية يرتبط عضويا بمدى جدية الفاعلين في احترام خصوصية الأفراد وحماية معطياتهم، لأن غياب الأمن الرقمي لا يهدد الأفراد فقط، بل يهدد الثقة في النظام ككل، ويجعل من الفضاء الإلكتروني بيئة غير آمنة، تعيق التقدم بدل أن تدعمه، وأضاف أنه نحن بحاجة ملحة إلى قانون أكثر صرامة في المجال الرقمي، يلزم المنصات باحترام خصوصية المستخدمين ويحاسب كل من يسيء استخدام بيانات الزبناء.